فتحت الحالة المصرية والمآلات التي وجدت كل من ليبيا وتونس نفسها فيها أبواب التساؤلات عن أهداف تنظيم الأخوان المسلمين.. في حين قرع ضبط خليّتيْن لأتباع التنظيم في الدولة والدور الذي تلعبه تكتلات سياسية تتبع فكر التنظيم في عدد من دول المنطقة جرس صحوة.

والملف، الذي ستنشره «البيان»، بالتعاون مع مركز المزماة، على حلقات سيرصد ما يجري في مصر من تطوّرات بعدما تكشّف للمصريين أن القيادة الجديدة لديها ما هو أبعد من حكم بلد وتسيير شؤونه، رغم أنّ الحصيلة حتى الآن عقيمة في كل المجالات ولم تثمر سوى هبّة شعبية وبوادر ثورة ثانية.

في مصر كثير من التطوّرات التي تستحق التأمل، وبخاصة التمعّن في مخاطر استمرار الإخوان في حكم مصر وبالتالي أخونتها.. وفي مخاطر تصدير هذه الأخونة.

وفي تأمل المشهد عن بعد، يلاحظ أن معطيات اجتماعية خطيرة بدأت تفصح عن نفسها في الشارع المصري لمواجهة صعود انتهازي للجماعة إلى مؤسسات الدولة وليس في قصر الاتحادية فقط.

الأوضاع الحالية التي تعيشها مصر، ومن دول أخرى في إفريقيا، تعتبر اختباراً لجماعات الإسلام السياسي ومدى إمكانية قبولها بالتعايش مع أسس الدولة المدنية بدلاً من العمل على تقويضها كما هو حاصل والذي لن تدعه الشعوب يمر دون ردة فعل.

.. وإلى جانب كل ذلك، تفرض محاولة هذه الجماعة وخلاياها ومن يدعمها إلى نشر الفوضى في دولة الإمارات، بالتوازي مع ركوب موجات سياسية تمر بها دول أخرى في المنطقة، البحث المعمّق في أهداف هذه الجماعة الحقيقية.. التي أقل ما يمكن وصفها به هو الانتهازية.

يصف بعض الدارسين الجمعيات والأحزاب والنقابات بأنها قبائل العصر الحديث. وإذا كانت العصبية لدى القبائل تقوم على رابطة القرابة فإنها تقوم لدى الأشكال الاجتماعية الحديثة على الأيديولوجيا والمشاريع والبرامج.

ولجماعة الإخوان آيديولوجيا مزدوجة يظهر قسم منها على السطح في العلن، بينما تخفي القسم الآخر وتبقي عليه ضمن أسرارها.

أما ما يظهر على السطح من آيديولوجيا الجماعة فهو الجزء الذي تستخدمه لحشد الأتباع، وهذا الجزء العلني أيضاً هو الذي يشكل أساس التعصب للجماعة لأنه يتعلق باستغلال الدين وشعاراته ومظاهره الشكلية. إذ هي تحرص على استقطاب الأتباع منذ الصغر لكي يسهل عليها تنشئتهم وتلقينهم مبادئ السمع والطاعة في وقت مبكر من حياتهم. فإذا ما فتح المستقبل أمامهم أبواب المعرفة والتحصيل العلمي فإن الإخواني يكون قد تربى على السمع والطاعة لتصبح تقاليد الجماعة ضمن ثوابته، وبالتالي يبقى أسيراً لها مهما كان علمه ومهما كان تخصصه ودرجته العلمية.

الأمر يشبه في جانب من جوانبه التربية العسكرية الصارمة التي يخضع فيها الفرد للقائد ولا يسمح له بالإعتراض أو مناقشة الأوامر والتعليمات. وهذا ما يجعل من جماعة الإخوان أشبه بميليشيا سرية رغم أن الأسرار بدأت تتكشف بما فيها أسرار الوجه الآخر للجماعة المتعلق بتدريب الفرق الأمنية والمليشيات التابعة لها. أما الجزء الخفي في آيديولوجيا «الإخوان» فهو المتعلق بالأهداف الدنيوية التي تتستر بالدين ومظاهره الشكلية.

وجماعة الإخوان تراهن على توظيف الجانب الديني في مشروعها وتوظف العقيدة وتستغلها لخدمة أهدافها السياسية. وهذا التحايل يتسبب في خداع البسطاء والمراهقين الذين يعتبرون توجيه النقد لهذه الجماعة من الأمور التي تمس العقيدة ذاتها. لهذا السبب ارتأينا إدراج هذا المحور، والذي نوضح فيه الفرق بين الإسلام وبين الجمعيات أو الجماعات التي ليست سوى شكل تنظيمي حديث من اختراع الإنسان.

أما الأسباب التي تجعل البعض يخلط بين هذين الأمرين فهي عديدة، ومنها ما يتصل بالعاطفة والوجدان وبالمحبة الفطرية التي يكنها المسلم لدينه وعقيدته وبالتالي فإنه يميل تلقائياً إلى التعاطف مع المسميات التي تقترن بمفردة الإسلام والمسلمين وبأي مفردة تحيل إلى الدين وفضائله ورموزه وشخصياته التاريخية مثل الصحابة رضي الله عنهم.

وأدرك من يمارسون التجارة وتسويق المنتجات مدى تأثير الإيحاءات الدينية على اجتذاب الزبائن، فعملوا على توظيف الإيحاء الديني في أسماء المحال التجارية والمعامل والأسواق.. وهذا نوع من الاستغلال التجاري ومحاولة للعب على عواطف الناس وابتزاز ميلهم الفطري نحو الإسلام ورموزه، وهكذا الحال مع المتجر أو الجمعية التي أنشأها حسن البنا في مصر، واتخذ لها اسم جماعة الإخوان المسلمين وذلك بالطبع لا يعني أن أعضاء هذه الجماعة ينفردون حصرياً ودون منافس بتمثيل الإسلام والمسلمين..

كما أن جمعيتهم غيرت وبدلت أهدافها وأصبح على رأسها السعي للوصول إلى الحكم. أي أن الجماعة الإخوانية لم تنشأ أساساً للقيام بتمثيل المسلمين، ولا يحق لأحد أن يدعي ذلك لأن الإسلام دين عالمي ولأن الإيمان محله القلب، ولأن التدين فردي مثل التكليف ومثل أداء الواجب والامتناع عن المحرم والإلتزام بما يرضي الله.

انعدام وعي

إضافة إلى تأثير الجانب العاطفي على العديد من الناس الذين يتصورون أن جماعة الإخوان المسلمين معصومة من النقد، هناك أيضاً سبب آخر يتصل بالجهل وانعدام الوعي أو ضعف التحصيل العلمي والتكاسل عن القراءة في حقل الثقافة الإسلامية، بعيداً عن الأوصياء والإنتهازيين الذين يوظفون الخطاب الديني لأغراض سياسية، بهدف التسلق على أكتاف الحشود التي تتأثر بخطب ومحاضرات في أغلبها تسطيح للدين. لذلك نلاحظ أن الأفراد الذين يمتازون بثقافة عميقة وإطلاع واسع لا يقعون بسهولة في شباك بعض المهرجين الذين يوظفون الخطاب الديني والمقولات الدينية بهدف التكسب.

لا نقصد أن كل من يعمل في توعية الناس بأمور الدين ينتمي لصنف المتاجرين بالدين. لكن معرفة الفرق بين خطاب الفقيه العالم وبين الخطاب السطحي لدى المتكسبين ولدى من يقومون بتسييس الدين يتطلب من الشخص أن يرفع مستوى ثقافته ووعيه، وحينها يمكنه معرفة الفرق بين الخطابين. ونلاحظ أيضاً أن الأشخاص الذين كانت لهم تجربة مع جماعة الإخوان يتحدثون دائماً بعد انسحابهم منها عن الحقائق التي كانت غائبة عنهم ثم اكتشفوها، وبعضهم تقوم الجماعة بفصله عندما يصبح من الصعب إسكاته عندما تكثر تساؤلاته، لأنه ساعتها يصبح خطراً على الجماعة وعلى القطيع الملتزم بالسمع والطاعة العمياء.

أسرار دفينة

لكن ليس كل إخواني انسحب من الإخوان أو تم فصله لأنه اكتشف حقائق الجماعة وأسرارها، رغم أن للجماعة بالفعل أسرارها الدفينة والغامضة، لكن الصحيح هو أن الإخواني السابق يكتشف حقائق الإسلام وأسرار المعرفة التي تحرر الفرد من العبودية وتحرره من فكرة حصر الإسلام والمسلمين في جماعة سياسية تصور لأتباعها أنها الممثل الشرعي الوحيد للإسلام، ثم على خلفية ذلك الاعتقاد الفاشي تبرر طموحاتها السياسية بحجة السعي لتمكين الإسلام بينما لا تعترف أنه تمكين لطائفة متأسلمة تشوه الدين وتجفف معانيه الروحية السامية لتحل محلها مخططات ومؤامرات وجرائم إرهابية ترتكب باسم الدين.

الخلاصة هي أن الفرق بين الدين وبين الجمعيات الدينية أو بين الإسلام والجمعيات الإسلامية، هو أن الجمعية أو الجماعة أو الرابطة نوع من الأشكال التنظيمية الحديثة ولا تنشأ إلا لتحقيق مصلحة أشخاص يوحدهم هدف أو مهنة أو عصبية؛ وتبقى المصلحة المباشرة والمرجوة هي العامل الأول والغاية الأصلية التي تكون سبباً لإنشاء مثل هذه الأطر. كما أنها تخص أعضاءها فقط، ولا تسمح طبيعتها بأن تعم فائدتها أشخاصاً آخرين من خارجها، ولكل جمعية لوائح وبطائق عضوية، بينما لا يتطلب الإنتماء للإسلام الحصول على بطاقة عضوية أو طاعة شخص يسمى المرشد كما هو الحال لدى جماعة الإخوان، لأن الطاعة في الإسلام لا تكون إلا لله ورسوله، ولأن الإسلام دين عالمي ومن المستحيل أن تمثله جمعية أو جماعة، مهما كان اسمها ومهما كانت شعاراتها.

بين الأسلمة والأخونة

عالمية الرسالة المحمدية تقتضي بالضرورة القول بأن منطق احتكار أو ادعاء تمثيل الإسلام هو منطق فاسد وادعاء مشبوه، وأن من يمارس مثل هذا الأمر إنما يمارسه لأغراض مشبوهة، وبخاصة إذا كان منطق الإحتكار قد تجاوز الإدعاء اللفظي إلى ما هو أبعد من ذلك. أي إلى القيام باستحداث كيان مؤسسي لترجمة وممارسة بدعة احتكار الدين وادعاء تمثيله، وهذا ما يجسده الكيان المسمى بجماعة الإخوان المسلمين.

مشروع وصولي

ولكي نعرف أكثر ما هي الأخونة، نحن بحاجة أيضاً لإزالة التباس آخر يجعل البعض يخلطون بين الأخونة من جهة وبين الأسلمة من جهة أخرى، لأن الأخونة في بعض مظاهرها ومراحلها كانت ولا تزال تتستر بالأسلمة وتركز على بعض الشكليات لجذب شرائح معينة من المجتمع. لكن الأخونة في المجمل كمخطط وكأهداف ليست مشغولة بالأسلمة إلا بالقدر الذي تعرف أنه سيخدم المشروع والتصور النهائي لما يفترض أن ينتج عن الأخونة. أي أن الأخونة ترتبط بمشروع سياسي وصولي ولا علاقة لذلك المشروع بأي جانب روحي أو تعبدي يتصل بالإسلام. وبالتالي ليس كل إخواني إسلامي، وفي المقابل ليس كل إسلامي إخواني. بمعنى أن انتقاد جماعة الإخوان ليس انتقاداً للإسلام بل انتقاد لإطار تنظيمي غير محصن من النقد.

ولجأ التيار الإخواني منذ بداياته إلى إكساب مشروع الأخونة قشرة إسلاموية تركز على المظهر الخارجي لإخفاء جوهر أهداف الجماعة وغاياتها. والأخطر من ذلك أن جماعة الإخوان تجعل مشروعها محاطاً بالسرية.

أما نزعة الأسلمة ورغم أنها تقود البعض إلى التشدد وإلى التضييق على أنفسهم وعلى الآخرين. ورغم أن دوافعها غالباً ما تكون خالصة ولا تخفي أو تضمر أهدافاً غامضة، إلا أن التطرف مهما استند على النوايا الحسنة، سرعان ما يقع في مطب تكفير المجتمع، ولا يسلم التكفيريون من الشعور بالغربة عن واقعهم وبيئتهم ومجتمعهم. ولطالما كانت مثل هذه المقدمات بوابة للانتقال إلى حضن الجماعات الإرهابية. لأن المبالغة والحماسة لدى البعض تجعله يوفر أحياناً من دون قصد بيئة لظهور حالات فردية تميل للتطرف، ثم تبحث لنفسها بعد ذلك عن بيئة أخرى أو جماعة تلائم تطرفها.

ورغم عواقب التشدد الذي يمارسه البعض بحجة نشر الدعوة الإسلامية في المجتمع المسلم فإنّ من حق أي إنسان بل ومن الواجب عليه أن يراجع سلوكه وعاداته وأن يوازن بدون شطط بين حياته وبين ما تقتضيه تعاليم الإسلام. وحينها لن يقابل المجتمع من يسير على نهج الدين القويم طمعاً في رضا الله إلا بالتقدير والإحترام. وعندما لا يقترن التدين بالتشدد ولا يرتبط بجماعة متطرفة فإن هذه الإستقامة تكون فطرية وطبيعية لدى الإنسان في أي مجتمع محافظ.

اليقظة الروحية

ولا تختلف الشعوب والحكومات في كل الدول العربية والإسلامية حول أهمية وضرورة رعاية وتشجيع مستوى إيجابي من اليقظة الروحية في المجتمع، للحفاظ على الإسلام ومكانته في نفوس الأفراد صغاراً وكباراً، لأن الإسلام ديننا وأخلاقه هي أخلاقنا، ولن تسمح الشعوب لحزب أو جماعة باحتكار أبرز مكون روحي وحضاري من مكونات الهوية على المستويات الوطنية والعربية والإسلامية... لن يسمح للإخوان ولا لغيرهم بذلك، لأن الإسلام عقيدة متينة محفوظة في قلوب كل المؤمنين به.

وستظل الجماعة الإخوانية فكرة صنمية جامدة أمام الإسلام الحي الذي هو أكبر بكثير من أن تختطفه أو تحاول احتكاره جماعة سياسية انتهازية متأسلمة. ومهما تسلقت عبر استخدام الإسلام فإنها تفضح نفسها كل يوم، لأنها تجعل من الإسلام شكلاً خارجياً لخطابها ومشروعها الذي تتصادم أهدافه النهائية مع حقوق الفرد في المجتمع المسلم، لأن فاشيتها تعيقها وتمنعها من الإعتراف أساساً بالفرد عندما لا يكون تابعاً للجماعة ومطيعاً لمرشدها.

أما النقطة الأخيرة التي لا بد من التذكير بها في سياق التأكيد على الحضور القوي للإسلام بعيداً عن المتأسلمين، فهي أن هذا الحضور يكتسب ديمومته داخل الفرد والأسرة و المجتمع منذ أكثر من 1400 عام، لكن بعض الجماعات الطفيلية المهيأة للإنقراض تتجاهل 14 قرناً مضت من تاريخ الإسلام، ظل يسكن خلالها القلوب والأفئدة وسيبقى كذلك، وعلى الإخوان المتسلقين أن يبحثوا لأنفسهم عن سلالم خشبية ليصعدوا عبرها إلى الإرتفاع المناسب للسقوط. أما الإسلام فإنه دين عبادة الله سبحانه وتعالى وتوحيده، لذلك يجب أن يكون منزهاً في النفوس بإجلال العلم والعمل به وتجنب توظيفه لخدمة الأطماع.

احتكار

 

يمكن تشبيه الجمعية، أو الجماعة، التي تتجرأ على احتكار تمثيل الإسلام والمسلمين بمسجد صغير يدعي المصلون فيه أنه المسجد الوحيد الذي يأوي المؤمنين الحقيقيين، وهذا أمر لا يستقيم أبداً مع الطبيعة العالمية للإسلام الذي جعل مناط التكليف كما يقول الفقهاء لكل إنسان بالغ عاقل، وبالتالي لا وصاية في الإسلام ولا كهانة في شرعه وشريعته، سواء كانت كهانة يدعيها فرد أو تدعيها جماعة سرية كانت أو علنية.

غداً

مصر وتونس... مختبر الصدام الجديد