يكشف تسلسل الأحداث منذ سقوط نظام حسني مبارك وحتى الآن أن حضور جماعة الإخوان في هذا المسار لا يتجسد على هيئة قوة سياسية ناضجة وقادرة على التحرك في المجتمع المصري كجماعة وطنية، بل يحضر «الإخوان» كجماعة دينية تدافع دائماً عن مشروعها الغامض عبر سلسلة طويلة من الأكاذيب التي لم تتوقف بما في ذلك كذبهم على أنفسهم وتصديقهم لكذبهم. مثل تصديقهم خرافة مشاركتهم بجدية في الثورة وما أعقب هذه الكذبة الكبيرة من تملّق زائف، وصولاً إلى زعمهم بأن كل ما تقوم به الرئاسة الإخوانية إنما يهدف إلى حماية الثورة!

لكن الاستنتاج الذي يفرض نفسه وسط غمامة الكذب الإخواني هو أن معيار النجاح أو الفشل بالنسبة لهم يحتكم إلى الأهداف غير المعلنة للجماعة وإلى تصورها لذاتها.. بينما كانت المرحلة تفترض أن تكون مقاييس نجاح الإخوان أو فشلهم مرتبطة بمدى ما ينتظره ويتوقعه الشارع المصري منهم بعد أن وصلوا إلى الحكم. هذا إذا كانوا يودون الاستمرار في الحضور داخل العملية السياسية كمصريين وليس كمبشرين بعودة الخلافة التي يريدونها أن تكون خلافة إخوانية وليس إسلامية.

وهنا يكمن سر فشل الإخوان المستمر بالتوازي مع القطيعة التي تستفحل بينهم وبين أطياف المجتمع المصري وتياراته المتعددة. ويرجع سبب الفشل والقطيعة معاً إلى عجزهم عن النظر إلى جماعتهم من خارج مقاييسها الإنتهازية المنغلقة على ذاتها والتي لا تصغي إلا لما يقوله المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد.

وهنا يجب التأكيد على أهمية إدراك الفارق الجوهري الذي يميز بين الجماعة الوطنية والجماعة الدينية. فالأولى يمكن أن تتعدد فرص اللقاء معها على قاعدة الوطن والشراكة والهوية الواحدة التي تمثل أرضية نفسية تمهد لجعل اختلاف الرؤى وتعددها مقبولاً ولا يؤسس لقطيعة تمس الهوية والمشتركات الأساسية.

بينما يصعب التعاطي مع الجماعة الدينية أو العثور على فرص للحوار معها حول أمور تتعلق بالوطن الذي يكون غائباً ومغيباً في تصورها، مقابل طغيان حضور كل ما يجعلها تبتعد باستمرار عن الجماعة الوطنية بكل تمثيلاتها، سواء كانت سياسية نخبوية منظمة أو شعبية تتمثل في جماهير تبحث في النهاية عن قيادات ملهمة تمنحها الأمل الذي يدفعها للتوحد والإندماج والإنتاج ولا تهمها القيادات المنشغلة بتمكين جماعتها واقتناص الفرص لهذا الغرض كما تفعل العصابات.

أكاذيب جماعة

ولكي تكون الأسماء مطابقة لمسمّياتها، ومن خلال متابعة ما يحدث في مصر من تداعيات. ولكثرة ما كذب الإخوان وما سببوا لأنفسهم من كوارثً، ولأن نبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم علّمنا أن المسلم لا يكذب..

نستعرض في محطات سريعة بعض ما يمكن تذكره من أكاذيبهم القديمة والجديدة، بما فيها بعض الأكاذيب التي ولدت معهم وولدوا معها، لدرجة أن وجودهم واستمرارهم أصبح مرادفاً للكذب الذي يمشي على قدمين، ولدرجة أن رصيدهم لا يحوي حتى الآن سوى حفنة أكاذيب اختطفوا بها ثورة 25 يناير واختطفوا معها مصر وأحلام شبابها بالتغيير نحو الأفضل:

1. كانت أول كذبة إخوانية تلك التي ترافقت ونشأت مع تأسيس الجماعة في سنواتها الأولى على يد المؤسس والمرشد الأول حسن البنا، ومفادها أن الإخوان جماعة دعوية وتربوية فقط.. بينما اتضح بعد ذلك أنهم جماعة سياسية ذات طبيعة عسكرية وتنظيمية تشبه العصابات، وتسعى للسيطرة على الحكومات والمجتمعات وإلى قهر وإذلال المخالفين والأقليات.

2. الكذبة الثانية كانت أيضاً من نصيب المؤسس والمرشد الأول للجماعة حسن البنا عندما تخلى عن مسؤوليته هو والجماعة عن ما سمي بالتنظيم الخاص الذي كان في حكم الذراع العسكري، وكانت مهمته تتحدد بتنفيذ اغتيالات سياسية لإزاحة من يقفون في طريق الجماعة والتخلص منهم بقتلهم.

3. كذب الإخوان على قادة ثورة 23 يوليو عندما قالوا أنهم مع الثورة، فلما فشلوا في احتوائها وأخونتها حاولوا اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر.

4. استمر الإخوان بعد ذلك في المزاوجة بين الكذب والنفاق. وفي عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك لجأ الإخوان إلى النفاق بجرعات مكثفة. فكانوا ينسقون مع الحزب الحاكم في الانتخابات،، ومن جهة أخرى يعتبرون أنفسهم في خانة المعارضة.

5. في قمة ازدهار التنسيق بين الإخوان والحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك لم تجد الجماعة ما يمنعها من الظهور بشخصية مزدوجة، فشاركت عبر ممثلين لها في أنشطة واجتماعات حركة كفاية المعارضة لنظام مبارك.

6. في مرحلة تالية شارك الإخوان في عضوية الجمعية الوطنية للتغيير التي كان يتزعمها المعارض البارز الدكتور محمد البرادعي، ولم يدعوا فرصة المشاركة في هذه الجمعية تفوتهم كعادتهم في التسلق على أكتاف المعارضة بالتوازي مع التقرب من السلطة، رغم أنهم في ما بعد أصبحوا يعتبرون البرادعي من أشد أعدائهم، بعد أن كاد أن يسحب البساط من تحت أقدامهم بسبب شعبيته.

7. استمر الإخوان في مهادنة نظام مبارك، أو تظاهروا بذلك، بينما كانوا يتحاورون في السر وعبر وسطاء مع الإدارة الأميركية ومخابراتها. حدث ذلك في الوقت الذي استمر إعلام وقادة وخطباء الإخوان يخدعون الناس بالحديث عن الولاء والبراء وعن ضرورة تحرير القدس وإلغاء اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، بينما كانوا في السر يقدمون الضمانات والتعهدات لأمريكا باستعدادهم وقبولهم عدم المساس بأمن إسرائيل في حال وصولهم إلى السلطة.

8. أكدت مصادر متعددة (بعضها إخوانية) أن جماعة الإخوان قامت بتوجيه أعضائها بعدم المشاركة في المظاهرات الشعبية التي مهدت لإسقاط نظام مبارك، وعلى وجه الخصوص قاطع الإخوان مظاهرات يوم 25 يناير، وظلوا على اتصال بالسلطة ورموزها، كما جمعت قياداتهم لقاءات عديدة باللواء عمر سليمان مدير المخابرات.

لكن الإخوان أدركوا بعد ذلك أن الثورة ستنجح فسارعوا بالنزول إلى الميادين منذ يوم 28 يناير. بينما ذكرت شخصيات إخوانية غادرت التنظيم مؤخراً أن الجماعة قامت بفصل كل من شارك من أعضائها في تظاهرات 25 يناير.

9. طوال أيام ثورة يناير استمر الإخوان في المزاوجة بين المشاركة في المظاهرات الشعبية من جهة، ومن جهة أخرى استمر تواصلهم مع النظام ودخلوا معه في مفاوضات بهدف الحصول على مكاسب، وحاولوا ابتزاز النظام مقابل التلويح باستعدادهم لسحب أعضائهم من الاحتجاجات!

10. خلال الفترة التي تولى فيها المجلس العسكري إدارة مصر عقب تنحي مبارك، مارسوا الدور المزدوج ذاته مع المجلس العسكري، وتفاوضوا مع قيادات المجلس في الوقت الذي كانوا يهتفون ضد قيادات المجلس العسكري مع المعتصمين في التحرير للمطالبة بنقل السلطة للمدنيين.

11. في أول انتخابات نيابية بعد ثورة يناير، قال الإخوان إنهم لا يفكرون في السيطرة على مجلس الشعب وأنهم لن يترشحوا في جميع الدوائر، ثم تراجعوا وخططوا للاستحواذ على كل مقاعد البرلمان بناء على موافقة وتشجيع من الإدارة الأمريكية ورجل البيت الأبيض باراك أوباما. ثم قال الإخوان أنهم وفي حال فوزهم بأغلبية البرلمان لن يشكلوا حكومة إخوانية، وأنهم يفكرون في حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية من خارج الإخوان. لكنهم شكلوا بعد ذلك حكومة إخوانية ترأسها كادر إخواني مغمور.

12. قبل الانتخابات الرئاسية قالوا إنهم لن يقدموا مرشحاً إخوانيا للرئاسة، ثم تراجعوا وقدموا نائب المرشد خيرت الشاطر كمرشح للرئاسة وإلى جانبه محمد مرسي مرشحا احتياطياً.

بينما كان أحد قياداتهم البارزة وهو عبد المنعم أبوالفتوح تقدم للترشيح بصفة مستقل، فقاموا بفصله من الجماعة وخطّطوا لإسقاطه في الانتخابات بشتى الوسائل. ثم اتضح بعد ذلك أن صراعاً خفياً كان يدور داخل الجماعة نفسها بين نائب المرشد خيرت الشاطر وبين عبدالمنعم أبوالفتوح المنشق عنها.

13. بعد استبعاد لجنة الانتخابات لخيرت الشاطر من قائمة المرشحين، فاز المرشح الإخواني محمد مرسي بالرئاسة، مع العلم أن الشكوك تحوم حول شرعية فوزه.

وكان مرسى أبدى بعد انتخابه استعداده لتقبل الإنتقادات من المعارضين، لكنه فشل مع جماعته في إدارة البلاد، وبدأت حكومته تقمع المحتجين وتحاصر الصحف ووسائل الإعلام بدعاوى قضائية أغلبها تحت مبرر إهانة رئيس الجمهورية.

14. يحصي المصريون سلسلة أكاذيب ووعود أطلقها الرئيس الإخواني محمد مرسي في خطبه المتكررة، ومن تلك الأكاذيب إدعاء الحرص على الوحدة الوطنية وحماية استقلال القضاء والتعهد بمحاكمة المتهمين بقتل المتظاهرين والتعهد بإنجاز مشروع دستور يرضي كل تيارات وطوائف الشعب.

أما الكذبة الكبرى التي أطلقها الرئيس الإخواني فهي تعهده بأنه سيكون رئيساً لكل المصريين، ولم تمض سوى أسابيع على توليه الرئاسة حتى اكتشف المصريون أن الرئيس يعمل لمصلحة جماعته الدينية ويتلقى التعليمات من مرشد الجماعة.

15. هناك كذبة أخرى سببت لجماعة الإخوان فضيحة مدوية ونسج حولها المصريون قصصاً وطرائف لا تحصى. وهي الكذبة المتعلقة بما أسماه الإخوان مشروع النهضة الذي كان عنواناً لبرنامج مرشح الإخوان للرئاسة محمد مرسي.

حيث اتضح بعد الانتخابات وعلى لسان بعض قيادات الإخوان أنفسهم أن النهضة كانت مشروعاً وهمياً، وأنها مجرد أمنيات وعبارات مطاطية، بلا خطة تنفيذية وإطار زمني، وبلا تفاصيل من أي نوع توحي بأن لدى الإخوان مشروعاً حقيقياً يشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والخدمية. وهكذا بدأ الإخوان مسيرتهم في الحكم بالاحتيال وتسويق الوهم والترويج لمشروع لا وجود له من الأساس.

16. كذبة أخرى أضيفت إلى سلسلة أكاذيب الإخوان على لسان رئيسهم الذي تعهد أيضاً عقب فوزه بأنه سيغير وجه مصر إلى الأفضل خلال 100 يوم فقط. وبالفعل تغيرت مصر على يد مرسي وجماعته في أقل من 100 يوم ولكن إلى الأسوأ والأكثر انحداراً على كافة المستويات.

17. تعهدت جماعة الإخوان للأطياف السياسية في مصر بإجراء حوار وطني يقود إلى مصالحة وطنية وإلى التهيئة لانتخابات نيابية، لكن ما حدث هو أن الإخوان دخلوا في عملية حوار مع حلفائهم ممن يتفقون معهم، وعلى أساس أجندة لا تتضمن مطالب غالبية القوى السياسية. كما استغلوا تمرير الدستور الإخواني عبر استفتاء مشكوك في نزاهته وقاموا بإعداد قانون انتخابات تضمن صيغته تمكين جماعتهم من الفوز بالأغلبية.

 

 

الأخونة والانقسام في مصر

 

 

فتحت الحالة المصرية والمآلات التي وجدت كل من ليبيا وتونس نفسها فيها أبواب التساؤلات عن أهداف تنظيم الأخوان المسلمين.. في حين قرع ضبط خليّتيْن لأتباع التنظيم في الدولة والدور الذي تلعبه تكتلات سياسية تتبع فكر التنظيم في عدد من دول المنطقة جرس صحوة.

والملف، الذي ستنشره «البيان»، بالتعاون مع مركز المزماة، على حلقات سيرصد ما يجري في مصر من تطوّرات بعدما تكشّف للمصريين أن القيادة الجديدة لديها ما هو أبعد من حكم بلد وتسيير شؤونه، رغم أنّ الحصيلة حتى الآن عقيمة في كل المجالات ولم تثمر سوى هبّة شعبية وبوادر ثورة ثانية.

في مصر كثير من التطوّرات التي تستحق التأمل، وبخاصة التمعّن في مخاطر استمرار الإخوان في حكم مصر وبالتالي أخونتها.. وفي مخاطر تصدير هذه الأخونة.

وفي تأمل المشهد عن بعد، يلاحظ أن معطيات اجتماعية خطيرة بدأت تفصح عن نفسها في الشارع المصري لمواجهة صعود انتهازي للجماعة إلى مؤسسات الدولة وليس في قصر الاتحادية فقط.

الأوضاع الحالية التي تعيشها مصر، ومن دول أخرى في إفريقيا، تعتبر اختباراً لجماعات الإسلام السياسي ومدى إمكانية قبولها بالتعايش مع أسس الدولة المدنية بدلاً من العمل على تقويضها كما هو حاصل والذي لن تدعه الشعوب يمر دون ردة فعل.

.. وإلى جانب كل ذلك، تفرض محاولة هذه الجماعة وخلاياها ومن يدعمها إلى نشر الفوضى في دولة الإمارات، بالتوازي مع ركوب موجات سياسية تمر بها دول أخرى في المنطقة، البحث المعمّق في أهداف هذه الجماعة الحقيقية.. التي أقل ما يمكن وصفها به هو الانتهازية.

 

 

غداً

إرهاصات ثورة ضد جماعة المرشد