من البداية لعب المحافظون في مجلس الشيوخ ورقة الوقت للإطاحة بتعيين السيناتور السابق تشاك هاغل وزيراً للدفاع في إدارة باراك أوباما الثانية. حتى الآن، نجحوا في اللعبة. نسفوا جلسات التصويت، في اللجنة والمجلس ثلاث مرات.
اليوم ألمح بعض أركانهم عن استعدادهم لوقف العرقلة، بعد عودة الكونغرس من الإجازة أواخر هذا الأسبوع. ذهبوا إلى ما يشبه التأكيد في هذا الخصوص، لكن لا ضمانة. خاصة وأن الوقائع تضع علامات استفهام كبيرة حول النوايا، فحملة التحريض ضدّه مستمرة. تتصدرها مفاتيح اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.. فيما بعض الأثرياء اليهود، ينشرون إعلانات في الصحف، بملايين الدولارات تدعو الناخبين إلى الاتصال بممثليهم في المجلس وحضّهم على عدم الموافقة على تعيينه، بزعم أنه «غير أهل» لهذا المنصب وأنه «مناهض» لإسرائيل ومعاد للسامية.
كما أن جبهة المعترضين في المجلس لاتزال متماسكة، حتى اللحظة. والتأجيل الذي فازوا به، ما كان إلاّ لغرض كسب المزيد من الوقت لنبش ذرائع جديدة يجري التلطّي وراءها، لطلب المزيد من التحقيق وتقديم المطالعات التي تخدم مطاردتهم له. وفي هذا الصدد، ربما استحضروا بعض المواقف التي اتخذها هاغل في محاضرات أو مشاركات سابقة له في نشاطات عربية أميركية، لدعم تلفيقاتهم. ولم يتردّد أحدهم، سيناتور من تكساس، ولاية النفط، في التساؤل الاتهامي بحصول هاغل على أموال عربية وحتى كورية شمالية! والمعروف أن الوزير المستهدف سبق وكان صاحب الكلمة الرئيسية في المؤتمر السنوي لـ «اللجنة المناوئة للتمييز» العربية الأميركية، العام 2008. منبر يعتبره أنصار إسرائيل من المحرمات، وكذا غيره من الجهات والفعاليات ذات الطابع العربي أو المتعاطف مع القضايا العربية.
نواطير إسرائيل في الساحة الأميركية لا يتهاونون مع الشخصيات السياسية الأميركية بشكل خاص، عندما تتجاوز الممنوعات. بسرعة يأتي الرد المزدوج، العقابي والتحذيري؛ من اللوبي الإسرائيلي ومتفرعاته. نهج دأبت عليه هذه القوى من زمان. وأعطى مردوده في أكثر الأحيان. وساهم الرخص الانتخابي وتغلغل الدعاية الإسرائيلية، في تضخيم نفوذ هذه الجهات. قلة من السياسيين وأصحاب الرأي كانت لديهم الجرأة في كسر حاجز السطوة هذه التي كان هاغل أبدى استياءه منها صراحة.
لكن مثل هذا التهويل بدأ ينكشف انتفاخه. ثمة تأفف مما يضعه البعض في خانة التطاول الإسرائيلي على واشنطن. ظهرت تعبيراته ضدّ تمادي نتنياهو في الأستذة على أوباما خلال زياراته إلى واشنطن. كما ظهرت ملامحه مؤخراً بعد تعيين هاغل.
حيث بدا وكأن المرشح لمنصب وزاري أميركي لا بدّ وأن يكون حائزاً رضى تل أبيب. حتى بعض النخب اليهودية خاصة التي شغلت مناصب دبلوماسية أو سياسية مثل السفير الأسبق صموئيل لويس لا تخفي أحياناً تخوفها من انتشار أجواء التبرم في أوساط الرأي العام الأميركي، كردّ فعل على الغطرسة الإسرائيلية. وثمة بوادر من هذا النوع. قبل أيام حصل أخذ وردّ حول ندوة لاثنين من الأكاديميين أحدهم عربي الأصل، تدعو إلى فرض «الحظر» على إسرائيل. عبارة غير مسبوق تداولها في أميركا. معهد بروكلين، في مدينة نيويورك وافق على استضافة النشاط.
قامت قيامة اليهود في المدينة. وهي أهم مراكز نفوذهم. خاصة منطقة بروكلين، لكن المعهد أصر على موقفه تحت شعار الحرية الأكاديمية وانعقدت الندوة. طبعاً المسألة لا ترقى إلى مستوى الحدث. ولا تؤشر بأي حال إلى بدايات تحول سياسي، لكنها مؤشر على أن غسيل الأدمغة له حدود. وربما جاء فوز هاغل بموافقة مجلس الشيوخ، بعد أيام، ليشكل إضافة في هذا الاتجاه.
