لم يكن التونسيون يتوقعون أن النجاح الذي حققوه في 14 يناير من العام 2011 بإسقاطهم نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ليصنعوا أول انتفاضة عربية ضمن ما عرف إعلاميا بالربيع العربي أنّهم سيعودون إلى نقطة الصفر بعد عامين من ثورتهم التي وقف وراءها شعب بأكمله، غير أن الوضع الحالي بات أكثر تعقيداً من ذي قبل فلا استقرار سياسياً ولا نظام حكم واضح فضلا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية مما ينذر بثورة جديدة.
تفاقمت الأزمة في تونس بشكل مفاجئ ومن دون سابق إنذار إثر اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد وتصاعدت الأزمة حتى خرج التونسيون يطالبون بالقصاص لبلعيد كما يطالبون برحيل الحكومة الحالية متهمين حركة النهضة الاسلامية، التي يتزعمها راشد الغنوشي، والتي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في البلاد بالوقوف وراء اغتياله في وقت يشهد هذا الائتلاف "تصدعاً" ترجم في عدم الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة تقود البلاد إلى بر الأمان وسط اصرار حركة النهضة على الاحتفاظ بالحقائب السيادية من جهة وإصرار رئيس الوزراء الحمادي الجبالي على تشكيل حكومة تكنوقراط وهو ما ترفضه الحركة.
موقف حذر
وفي هذه الأجواء، اختار حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي ينتمي إليه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أن يقف على مسافة يراقب منها التطورات قبل حسم قراره. فبعد أن أعلن عن انسحابه من الحكومة قرر تجميد القرار بعد ساعات فقط من إعلان الانسحاب وهو ما يؤكد عدم الاستقرار الذي بات واضحاً للعام والخاص في تونس.
يبدو من الأحداث الجارية على الساحة التونسية أنه من الصعب إيجاد حل سريع لهذه الأزمة خاصة في ظل استمرار الاحتجاجات في الشارع التونسي، وهي التي تفجرت وازدادت حدة منذ اغتيال بلعيد، وطالما استمر الخلاف بين جناحي حزب النهضة وإصرار كل طرف على موقفه فيما يتعلق بالحكومة الحالية من حيث بقاؤها أو استبدالها بحكومة غير حزبية، فان هناك اتجاها واحدا للأزمة وهو التفاقم.
ولا يمكن في ظل تنامي الأزمة داخل الحزب الحاكم نسيان كتلتين أساسيتين الأولى أنصار النظام المخلوع الذين يعملون، وإن كان من خلف ستار لتعميق الخلافات وإفشال الحكومة والثورة معا، والتيار الليبرالي اليساري العلماني الذي ينتهز كل فرصة ممكنة للتعبير عن استيائه ورفضه لأداء الحكومة الحالية ويتطلع إلى عملية تغيير جذرية تحت عنوان تصحيح مسيرة الثورة.
تنازلات واجبة
يرى مراقبون أن تمسك جناحي حزب النهضة بموقفيهما هو أساس المشكلة وإذا كان حزب المؤتمر قد تراجع عن موقفه المتمرد على الحكومة نتيجة لضغوط الغنوشي، فإنه بالأحرى أن يتنازل بالقدر نفسه قطبا الحزب الحاكم المتنازعان، وإلا فإن البلاد مهددة بفراغ حكومي يؤدي إلى فراغ سياسي وربما فوضى دموية فيما يرى آخرون أن تونس اليوم تحتاج الى العقلاء والحكماء للتدخل لمعالجة الخلل وإصلاح ذات البين بين أبناء الحزب الواحد والوطن الواحد وإلا فان النتائج ستكون كارثية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
