لاتزال الأوراق الخضراء تتساقط من شجرة الثورة المصرية في غير موسم سقوطها، ولايزال مسلسل حصد الأرواح في مصر مستمرًا.. شباب كالزهور في ريعانها لم يقترفوا من ذنب سوى أحلام صغيرة بحجم أعمارهم، دفعوا ثمن حرية بلادهم بأرواحهم واحدًا تلو الآخر ولم تمتلئ القائمة بعد، والتي كان أخيرها الناشط السياسي محمد الجندي، عضو التيار الشعبي المصري.

والذي شيع جثمانه الاثنين الماضي في جنازة مهيبة من مسجد عمر مكرم وسط تعالي الهتافات والدعوات ضد قتلة الجندي، لتعيد تفاصيل مصرعه إلى الأذهان حكاية خالد سعيد أحد أشهر «شهداء الثورة المصرية»، فالنيابة برأت الشرطة من قتل الجندي وادعت أنه مات بحادث سيارة، كما برأت نيابة نظام مبارك قتلة سعيد مدعية أنه مات بـ «لفافة بانجو».

قرّر الجندي النزول إلى ميدان التحرير في الذكرى الثانية للثورة، وبالتحديد في ذكرى سقوط الشرطة 28 يناير على أمل أن تستعيد الثورة مسارها وتلبية لدعوة الرئيس مرسي عندما تولى الحكم عندما قال: «وإن أخطأت فقوموني».

قرر الجندي أن «يقوّم» رئيسه الذي أعطاه صوته في الجولة النهائية من الانتخابات الرئاسية من أجل الحفاظ على الثورة وعلى أمل أن يرجع الرئيس محمد مرسي إلى رشده ولكن لم يلاقِ الجندي ورفاقه من الرئيس مرسي استجابة سوى السكوت وترك وزارة الداخلية تستجيب لهم استجابة عنيفة قمعية في عودة سريعة لنظام داخلية النظام القديم.

حفلة تعذيب جماعية

وبعد أربعة أيام من الاختفاء تلقت والدة الشهيد محمد الجندي اتصالًا هاتفيًّا يخبرها بأن ابنها يرقد في مستشفى الهلال بوسط القاهرة في ظروف صعبة للغاية لتهرول هي وزوجها إلى المستشفى وفي أعينهم بصيص من الضوء أن يكتب لابنهم الحياة من جديد، وبصعوبة بالغة استطاعت والدته التعرف بملامح وجه ابنها بعد أن تغيّرت ملامح وجهه وجسده جراء آثار التعذيب والضرب المبرح الذي تعرّض له في أثناء فترة اختطافه والتي تعدّدت بين حرق وضرب وآثار كي بالمكواة في ظهره ووجهه، إضافة إلى كسور بأنحاء متفرقة بالجسم والوجه والأسنان نتيجة لتعرضه إلى «حفلة تعذيب جماعية» طوال فترة اختفائه، وفق ما نشره العديد من الناشطين.

ووسط دموع ودعوات والدة الجندي وأسرته المنهارة والمنهمكة من جراء البحث عن ابنهم المختفي اتهمت الأسرة وزارة الداخلية والرئيس مرسي بقتل ابنها بعد أن أحتك به أحد أفراد الشرطة في إحدى المسيرات وسبه بالأم ورفض الجندي أن يتغاضى عن سباب الضابط له.

وقال له إن: «والدتي أشرف منك». مما تسبب في إثارة غضب ضابط الشرطة، وبعدها أخذته سيارة بادعاء عرضه على قسم الشرطة لعمل محضر بتلك الواقعة والتحقيق معه إلا أنهم اقتادوه إلى معسكر «الجبل الأحمر» لقوات الأمن المركزي وتناوبوا على تعذيبه حتى فارق الحياة.

دم الجندي في رقبة الإخوان

وأثارت تلك الواقعة غضب الشارع المصري لاستمرار نزيف الدم واستمرار ممارسات وزارة الداخلية في قمع المتظاهرين وقتلهم.. وشبّه مراقبون واقعة محمد الجندي بواقعة الشاب السكندري خالد سعيد، والذي كان أيقونة دائمة للثورة وشرارة لها بعد أن تعرّض لتعذيب مشابه لما لقيه الجندي وادعت الداخلية وقتها بأنه «ابتلع جرعة كبيرة من المخدرات».

وفي انهيار شديد وجّهت والدة الجندي التهم إلى جماعة الإخوان المسلمين بكل أعضائها ووزارة الداخلية في قتل ابنها.

 

 

 

محاكمة الرئيس

 

 

 

توقّع مراقبون بأن وقائع العنف الأخيرة التي مارستها أجهزة الشرطة ستتسبب في إشعال حدة الغضب الشعبي في الشارع وازدياد الأصوات التي تطالب برحيل النظام ومحاكمة الرئيس مرسي والحكومة خاصة بعد واقعة «السحل» الشهيرة ووقوع ضحايا عدة كان آخرهم الناشط محمد الجندي. وطالب مراقبون الرئيس مرسي بإقالة الحكومة ومحاسبة كافة المسؤولين عن حوادث القتل والعنف الأخيرة وأن يظهر حسن نيته للشعب والتوقف عن تمكين جماعة الإخوان المسلمين في الحكم.