مع اقتراب الإعلان عن التعديل الوزاري في تونس، طفت على السطح مجموعة من الخلافات بين جناحي حركة النهضة من جهة، وبين الحركة وشريكيها في الحكم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وحزب التكتل الديمقراطي، بسبب شكل التعديل والأسماء المرشحة للحقائب السيادية، وعلى وقع تحديات على الصعد كافة، تواجه رئيس الحكومة حمادي الجبالي، بدءاً من الصراع داخل حزبه، ومروراً بخلافاته مع أحزاب التحالف، وانتهاء بموقف المجلس التأسيسي من اختياراته الحكومية.
وكشفت مصادر مطلعة لـ«البيان» أن خلافاً حادا نشب خلال اجتماع قيادات «النهضة» الخميس الماضي، بين جناح الجبالي، وجناح رئيس الحركة راشد الغنوشي، لإصرار الأخير على إبقاء حقيبة الخارجية مع صهره رفيق عبد السلام، رغم الانتقادات الموجهة إليه بسبب ضعف أداء الدبلوماسية التونسية، وما تم ترويجه من وثائق بشأن شبهات فساد في الوزارة، كان تم الكشف عنها من قبل المدوّنة ألفة الرياحي، والمعروضة على القضاء.
صراع أجنحة
وكان «التكتل» و«المؤتمر»، شريكا «النهضة» في الحكم، تمسّكا بعزل عبد السلام واعتبراه شرطا للتوافق حول التعديل الوزاري، حيث تم الاتفاق مبدئيا على تكليف القيادي في «النهضة» ووزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية الحالي سمير ديلو، بحقيبة الخارجية، على أن يتولى عبد السلام مهمة الناطق الرسمي باسم الحكومة، وهو ما رفضه الحزبان المذكوران، اللذان طالبا كذلك بضرورة تنحية وزير العدل الحالي نورالدين البحيري.
وذكرت المصار أن «المؤتمر» و«التكتل» لقيا موافقة على موقفهما هذا من جناح الغنوشي في «النهضة»، الذي يعتبر أن البحيري تسبّب في إحراج الحكومة من خلال هفوات ارتكبها، ومنها عزل القضاة في إبريل الماضي في إجراء إقصائي دون عودة للقضاء، وهو القرار الذي نددت به المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج وألغته المحكمة الإدارية أخيراً.
كما يحمّل الجناح المتشدد في «النهضة» وزير العدل الحالي مسؤولية مقتل سلفيين اثنين بسبب إضراب خاضاه داخل السجن العائد إلى وزارته.
غير أن الجبالي دافع وبقوّة عن البحيري، في وقت شدّد «التكتّل» و«المؤتمر» على أن استمرارهما في الحكم لن يكون بدون إجراء تغييرات على رأسي وزارتي العدل والخارجية، مستغلّين المعلومات التي تسرّبت عن إعلان «النهضة» منذ أسبوعين عن استعدادها منح الوزارتين للحزب الجمهوري في حالة موافقته على الانضمام للتحالف الحاكم، الذي رفض ذلك.
بن جعفر ونسيبه
وقالت معلومات مسربة من غرفة المفاوضات بين أحزاب التحالف الحاكم إن رئيس المجلس الوطني التأسيسي وزعيم «التكتل» مصطفى بن جعفر طلب إسناد حقيبة الخارجية لنسيبه خيّام التركي، وهو ما لم يجد قبولاً لدى «النهضة» و«المؤتمر».
كما اقترح سمير العنابي، وهو مستقل، في منصب وزير العدل، حيث تم التطرّق الى إمكانية إسناد مهمة منسق عام للحكومة الى البحيري في حالة استبعاده من وزارة العدل، وهو ما رفضه «التكتل» الذي ترى قيادته أن لا فائدة من إحداث وظيفة منسق عام للحكومة، معتبراً أنها «ستزيد من تشتيت العمل الحكومي».
وقالت مصادر إعلامية إن الجبالي عرض حوالي 20 اسماً لشخصيات وطنية مستقلة خلال اجتماع مجلس شورى «النهضة»، واقترح اختيار بعضها لمناصب مهمة في القطاع المالي والاقتصادي والمصرفي، إلّا أنها جناح الصقور في الحركة قال إن هذه الأسماء محسوبة على العهد السابق، ما جعل الجبالي يرد: «ومن من الكفاءات لم يعمل مع النظام السابق؟»
تحديات ومرحلة
ومن المنتظر أن يجد الجبالي نفسه أمام تحديات مهمة خلال المرحلة المقبلة، وخاصة في ما يخص العلاقة بين أطراف التحالف الحاكم، حيث بات مطالباً إمّا بالموافقة على مطالبها أو فكّ الارتباط نهائيا معها.
وداخل «النهضة»، التي يشغل منصب سكرتيرها العام، يتعرّض الجبالي لضغوط من جناح الصقور للإبقاء على بعض الأسماء التي تتعرض لانتقادات المعارضة و«التكتل» و«المؤتمر» وتشكو وزاراتها من ضعف الأداء.
وفي حالة تشكيل حكومة جديدة، سيجد الجبالي نفسه أمام تحدّ مهم، وهو إقناع المجلس التأسيسي بتزكية اختياراته، ما يتطلّب التعويل على كفاءات مستقلة وذات مصداقية للحصول على رد إيجابي من قبل كتل المعارضة. وقد يلجأ إلى إجراء تعديل جزئي على الحكومة من أجل تجاوز أي حرج له داخل المجلس، أو الى إجراء تعديل عميق يشمل وزارات سيادية، خاصة العدل والخارجية.
رسالة «العريضة»
قال حزب العريضة للحرية والعدالة والتنمية الشعبية التونسي في رسالة وجهها الى رئيس الحكومة حمادي الجبالي إنّ «المصلحة اليوم تتطلّب اليوم تشكيل حكومة كفاءات تكون برئاسة شخصية محايدة ذات خبرة في شؤون الدولة، وهو ما يتطلب منك التضحية بمنصبك والاستقالة مع أعضاء حكومتك لفائدة المصلحة العامة».
وأضاف الحزب، الذي يتزعمه محمد الهاشمي الحامدي، مخاطباً الجبالي: «قلتم إن هذا التعديل سيشكل صدمة ايجابية للشعب، ونحن نعلم أن الشعب صدم منذ البداية بالخصام بين مكونات التحالف الحاكم على المناصب».
ودعاه إلى «التخلي عن التعديل الوزاري في هذه الصورة المخجلة ومصارحة الشعب بالأخطاء السابقة، والسعي للعودة إلى أهداف الثورة والوقوف بجدية مع الطبقات الشعبية والمفقرة، وإلى إطلاق حوار وطني سياسي لا يستثني أحداً».
