تجمعت القوى المدنية المصرية غير مرة في ميدان التحرير في القاهرة وفي مختلف ميادين الثورة في المرحلة الانتقالية السابقة للمطالبة بهدف واحد فقط، هو «إسقاط حكم العسكر» وإنهاء المرحلة الانتقالية فوراً، إلا أنهم عادوا الآن بعدما سقط حكم العسكر فعلاً، وتولى رئيس مدني حكم مصر، يطلبون «العون العسكري»، ويناشدون قادة الجيش المصري للتدخل لحلحلة الأزمة الحالية التي نشبت بعد إطلاق الرئيس محمد مرسي الإعلان الدستوري الأخير، والذي حصّن فيه قراراته لحين وجود دستور جديد.

وتأتي تلك المفارقة، تزامناً مع استعانة القوى المدنية أيضاً بفلول النظام المصري السابق من أجل نفس الهدف، وهو إسقاط ذلك الإعلان الدستوري.

أعداء الأمس

وعلى ما يبدو أن ظاهرة الاستعانة بـ «أعداء الأمس»، أو الفصائل المعارضة للرأي العام، تعد سمة من سمات المصريين، خلدها التاريخ المصري، لما ذكر واقعة هتاف الشعب الشهير عام 1942 لما خرج المواطنون يهتفون: «إلى الأمام يا روميل»، عندما نجح قائد القوات الألمانية إرفين روميل في تحطيم الجيش الثامن البريطاني، حيث كانت بريطانيا تحتل مصر آنذاك، ووصل إلى العلمين التي تبعد 70 كيلو متراً عن محافظة الإسكندرية، فتظاهر المصريون بالمئات لمطالبة روميل للتقدم حتى الإسكندرية، وهدفهم الوحيد في ذلك هو «طرد الإنجليز من مصر»، رغم أن ذلك يمكن أن يكلف مصر الخروج من احتلال إنجليزي لدخول احتلال ألماني أو إيطالي. وبذلك طلب المصريون عون «الألمان نكاية في الإنجليز»، رغم أن كلاهما أعداء لهم.واليوم، تهتف القوى المدنية للعسكر، عقب شهور من الانفصال، وتناشده «إلى الأمام يا روميل»، ليخلصهم من مُرسي. وقال الناشط السياسي ممدوح حمزة: «نحن كقوى مدنية سوف نطالب بتدخل القوات المسلحة المصرية لحماية الثورة ومكتسباتها، وحماية مصر من خطر الإخوان المسلمين وأجندتهم السياسية، ومساعدة الناس في الثورة على النظام الحالي، الذي يتعامل بنفس دكتاتورية النظام السابق». وهي التصريحات التي قالها غير قيادي بالتيار المدني بصفة عامة، وألمح إليها آخرون، طالبين دعم القوات المسلحة، على اعتبار كونها المؤسسة التي حمت الثورة، ولم تطلق ولو رصاصة واحدة على المتظاهرين طول الـ 18 يوماً، هي عمر الثورة في مصر، حتى سقط النظام السابق.

مناشدات للعسكر

وعلى الرغم من أن القوات المسلحة أعلنت رسمياً أن ولاءها ليس لأي فصيل سياسي من الفصائل الموجودة على الساحة الآن، وأن فلسفتها الخاصة تكمن في كونها درعاً حامياً للوطن، وولاؤها الأول والأخير للشعب المصري بشكل عام، دون غيره من القوى السياسية، إلا أن هناك حالة من الجدل بشأن دورها المرتقب والمتوقع إبان مناشدة عدد من القادة داخل التيار المدني لها للتدخل، لتبدو الفرصة أمامها سانحة للعودة للمشهد السياسي، ومواصلة دورها في الثورة بمباركة مدنية لأول مرة.ويؤكد محللون أن استعانة القوى المدنية بالقوات المسلحة «أمر مستغرب»، وخاصة أن تلك القوى نفسها هي التي هاجمت الجيش وقادته، رفعت شعارات إسقاطه وعودته لثكناته مرة أخرى. كما عارضوا أيضاً فكرة حصول القوات المسلحة على أي صلاحيات أو أي وضع مغاير عن وضعها الطبيعي في الدساتير.