تفاعلت قضية مصادرة السلطات التركية أمس شحنة «غير قانونية» عثرت عليها في طائرة مدنية سورية كانت اعترضتها حين كانت في رحلة من موسكو إلى دمشق، حيث بدأت العواصم الثلاث بحرب تصريحات واتهامات متبادلة، فبينما ذكرت تركيا أن الطائرة كانت تحمل شحنة «غير قانونية» وذهبت تقارير إعلامية بالقول: إنها «قطع صواريخ»، اتهم النظام السوري أنقرة بالقيام بتصرف «معادٍ ومستهجن» و«قرصنة جوية»، مطالبة إياها بإعادة محتويات الطائرة. ونفت موسكو وجود أسلحة على متن الطائرة وطالبت السلطات التركية بتوضيحات حول مبررات أعمال كهذه حيال «مواطنين روس»، وتعريض حياتهم للخطر، وهو ما ردت عليه تركيا باستدعاء السفير الروسي في أنقرة، بينما لم يتأكد ما إذا كان إعلان روسيا تأجيل زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى تركيا ناجماً عن توتر في العلاقات بفعل «العاصفة» التي أثارتها قضية الطائرة في ظل وجود تبعات قانونية وسياسية على أي طرف يكون في موقع المتّهم.
وصادرت السلطات التركية فجر أمس شحنة «غير قانونية» عثرت عليها في طائرة مدنية سورية كانت اعترضتها حين كانت في رحلة من موسكو إلى دمشق، بحسب ما أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو.
شحنة غير قانونية
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن الوزير قوله: «هناك شحنة غير قانونية على متن الطائرة كان يفترض أن يبلغ عنها». وأضاف: «هناك مكونات في الطائرة يمكن وصفها بأنها مثيرة للشك» من دون تقديم تفاصيل. وذكرت قناة التلفزيون «ان تي في» أنه يعتقد أن الشحنة تضم قطع صواريخ، بينما قالت محطة «تي ار تي» الحكومية أنها معدات اتصال مرسلة إلى دمشق. وسمحت السلطات التركية أخيراً للطائرة التي كانت تقل 35 راكباً، من بينهم 17 روسياً حسب وكالة «انترفاكس»، بالإقلاع من أنقرة، حسب ما ذكرت وكالة أنباء الأناضول. وأكد أوغلو: «كما هي الحال حالياً، فإن الحادث لن يؤثر على العلاقات التركية الروسية».
والطائرة السورية وهي من نوع «ايرباص-320» كان تم اعتراضها مساء أول من أمس من أربع طائرات من سلاح الجو التركي تولت مواكبتها وإجبارها على الهبوط في مطار بأنقرة لإجراء تفتيش أمني. وبعد الحادث، حذّرت تركيا شركات الطيران التركية من دخول المجال الجوي السوري تفادياً لتعرضها لإجراء انتقامي محتمل، بحسب قناة «ان تي في» التركية. وأدى هذا التحذير إلى توقف لبعض الوقت في حركة الطيران وتغيير طرقات.
الموقف الروسي
ومن جهتها، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان: إن روسيا «تطالب السلطات التركية بتوضيحات حول مبررات أعمال كهذه حيال مواطنين روسيين»، مؤكدة أن اعتراض طائرة الركاب من قبل مقاتلات تركية «عرض للخطر الركاب وبينهم 17 مواطناً روسياً». إلا أن مسؤولاً في وزارة الخارجية التركية قال: إن تركيا لم تتلق طلب استفسار رسمياً من روسيا بشأن اعتراضها الطائرة. وقالت وزارة الخارجية الروسية: إنها تطلب تفسيراً من السلطات التركية.
واستدعت وزارة الخارجية التركية، السفير الروسي في أنقرة فلاديمير إيفانوفسكي لبحث عدد من القضايا معه، وذلك على خلفية قضية الطائرة.
في غضون ذلك، نفى مصدر في وكالة تصدير السلاح في روسيا بتصريحات لوكالة «انترفاكس وجود أسلحة على متن الطائرة. ونقلت عن المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه قوله: «لم تكن هناك أسلحة ولا أي نوع من الأنظمة أو قطع المعدات العسكرية على متن الطائرة ولا يمكن أن تكون على متنها». وقال مصدر وكالة تصدير السلاح: إن روسيا لم توقف صادرات السلاح لدمشق على الرغم من صدور إشارات متضاربة من جانب موسكو بشأن ما اذا كانت قد استمرت في امداد دمشق بالسلاح بعد تصاعد العنف بين مقاتلي المعارضة وقوات الأسد. وقال المصدر: «إذا أردنا أن نرسل أي معدات فنية عسكرية أو أسلحة سيتم هذا بالطريقة الصحيحة وليس من خلال أي سبل غير مشروعة وبالقطع ليس في طائرة مدنية».
من جهة أخرى، أرجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة مقررة إلى تركيا منتصف أكتوبر الجاري. وأعلن ناطق باسم بوتين إرجاء الزيارة بدون تحديد السبب أو ذكر موعد جديد للزيارة. وقال ديمتري بيسكوف لـ«فرانس برس» إنها «ارجئت وسيتم الاتفاق على المواعيد». لكن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء التركي أعلن أن الرئيس الروسي سيزور تركيا في الثالث من ديسمبر المقبل.
الموقف السوري
إلى ذلك، اتهمت دمشق أنقرة بالقيام بتصرف «معادٍ ومستهجن»، مطالبة إياها بإعادة محتويات الطائرة التي قامت بمصادرتها.
ووصف بيان صادر عن وزارة الخارجية السورية اعتراض الطائرة وإجبارها على الهبوط في أنقرة بأنه «مؤشر إضافي على السياسة العدائية التي تنتهجها حكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان».
وأشار البيان إلى أن هذا التصرف يضاف إلى ما تقوم به أنقرة «من تدريب وإيواء وتسهيل تسلل وقصف مدفعي للأراضي السورية». وأكدت الخارجية أن «هذا السلوك العدائي المدان لن يثنينا عن التمسك بعلاقات الصداقة التي تربط بين الشعبين السوري والتركي والتي هي أكبر وأهم من أية حكومة». وطالبت الحكومة السورية السلطات التركية «بإعادة باقي محتويات الطائرة كاملة وبصورة سليمة».
وأوضحت الخارجية في بيانها أن «كامل محتويات الطائرة المدنية السورية مدرجة أصولاً على بوليصة الشحن النظامية ومدرجة بكامل تفاصيلها على بيان حمولة الطائرة»، مؤكداً أنها لا تحمل «أي نوع من أنواع الأسلحة أو أية بضائع محرمة». وأشار البيان إلى أن هذا التصرف «عرض سلامة الطائرة والركاب للتهديد نتيجة الظهور المفاجئ للطائرات العسكرية دون أي مبرر أو سابق إنذار بالإضافة إلى احتجاز الركاب المدنيين لساعات طويلة بشكل غير إنساني وإساءة معاملة طاقم الطائرة».
قرصنة جوية
كما وصفت مديرة مؤسسة الطيران العربية السورية غيداء عبد اللطيف الخطوة التركية بأنها «قرصنة جوية»، مؤكدة أنه سيتم تقديم احتجاج لاتحاد النقل الجوي الدولي واتحاد الطيران العربي وجميع المنظمات الدولية والإنسانية. وأكدت عبد اللطيف في مكالمة هاتفية مع قناة «روسيا اليوم» أن هذا العمل يعتبر «قرصنة جوية» لأنه لم يتم إعلام قائد الطائرة عند عبوره الأجواء التركية بضرورة الهبوط للتفتيش بل فوجئ بالطائرات التركية المقاتلة محيطة بالطائرة وذلك عبر الجهاز الملاحي الخاص. توقف عن شراء الكهرباء
أعلن مسؤولون أتراك أمس أن سوريا أوقفت قبل أسبوع وارداتها من الطاقة الكهربائية من تركيا بسبب أضرار لحقت بشبكة التوزيع في الحرب التي تمزق البلاد. وقال وزير الطاقة التركي تانر يلديز: إن «سوريا أوقفت مشترياتها من الكهرباء من تركيا قبل أسبوع». وأضاف أن بلاده مستعدة لاستئناف شحناتها إذا طلبت جارتها منها ذلك، مؤكداً أن «هذا الباب يبقى مفتوحاً».
وقال يشار ارسلان أحد مديري شركة الكهرباء التركية الخاصة المكلفة التصدير إلى سوريا: إن هذا الانقطاع ناجم عن «تدمير شبكة التوزيع السورية». وأضاف في تصريحات لوكالة أنباء الأناضول أن «شحناتنا ستستأنف فور حل هذه المشكلة ونحن مستعدون لمدهم بالكهرباء عندما يرغبون في ذلك». وكانت أنقرة التي تزود سوريا بحوالي 20 في المئة من الطاقة التي تستهلكها، هددت دمشق في يناير الماضي بقطع إمدادها بالكهرباء بعد إسقاط طائرة حربية تركية بالدفاعات الجوية السورية. ورداً على سؤال لوكالة «فرانس برس» قال مسؤول تركي في قطاع الطاقة: إن «هذا الأمر عائد إلى السلطات السورية».
