دان مجلس الأمن الدولي الهجوم السوري بقذيفة مدفعية على بلدة حدودية تركية أودى بحياة خمسة مدنيين، وطلب وقف مثل هذه الانتهاكات للقانون الدولي فورا وعدم تكرارها، بعد محادثات ماراثونية توصلت إلى نسخة معدلة بين الرؤيتين الغربية والروسية، فيما ساد هدوء المنطقة الحدودية المتوترة بين تركيا وسوريا رغم سيطرة المخاوف على سكان البلدة التركية. وكشفت مصادر دبلوماسية عن محادثات سرية بين موسكو ودول اوروبية حول صيغة توافقية لتنحية الرئيس بشار الأسد.
وفي اتفاق نادر جاء البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي ليندد بالهجوم «بأقوى عبارات» بعد أن رفضت روسيا نصاً أولياً عن الحادث الذي وقع يوم الأربعاء الماضي وطرحت نسخة مخففة تدعو تركيا وسوريا كلتيهما إلى التحلي بضبط النفس. واعترض الأعضاء الغربيون في مجلس الأمن على النص الذي اقترحته موسكو لكنهم عدلوا المشروع المبدئي للبيان ليراعي بعض تحفظات روسيا.
التوقف الفوري
ودعا نص البيان النهائي لمجلس الأمن المؤلف من 15 دولة الحكومة السورية إلى ان تراعي تماما سيادة جيرانها وسلامة أراضيهم. وطالب أن تتوقف على الفور كل الانتهاكات للقانون الدولي وعدم تكرارها. وقال المجلس في بيانه: «شدد أعضاء مجلس الأمن على أن هذا الحادث أبرز العواقب الوخيمة للأزمة في سوريا على أمن جيرانها وعلى السلام والاستقرار الإقليميين».
وبدلًا من دعوة تركيا وسوريا صراحة إلى التحلي بضبط النفس نصت الجملة الأخيرة من البيان على ان أعضاء مجلس الأمن يدعون إلى التحلي بضبط النفس.
وكانت روسيا أصرت على حذف جملة في مشروع البيان الأصلي تصف الهجوم السوري بأنه خطر شديد على السلام والأمن الإقليميين، وأشار البيان التوافقي بدلًا من ذلك إلى المخاوف فيما يتعلق بأثر الأزمة في سوريا على جيرانها وعلى السلام والاستقرار الإقليميين. واستخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد ثلاثة قرارات سابقة تندد بحكومة الرئيس السوري بشار الأسد ويقول دبلوماسيون إن من المرجح أن يتخذ مجلس الأمن الدولي اجراء آخر ضد سوريا في الوقت الراهن. واقر السفير البرتغالي جوزيه فيليبي مورايس كابرال بانه كان يترتب على المجلس إصدار بيان «وإلا لكنا وضعنا انفسنا في موقف مثير للسخرية».
وقال الناطق باسم الأمم المتحدة مارتن نسيركي إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «يشعر بالانزعاج من تصاعد التوترات على الحدود بين سوريا وتركيا»، محذراً من تزايد خطر نشوب صراع إقليمي أوسع.
نفي الاعتذار
من جهته، أكد السفير السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري للصحافيين أن سوريا لا تسعى وراء التصعيد مع أي من جيرانها بما في ذلك تركيا. وأضاف الجعفري: «في حال وقوع حادث حدودي بين دولتين، يجب ان تتحرك الحكومتان بطريقة حكيمة وعقلانية ومسؤولة». لكن حين سئل عن احتمال تقديم اعتذارات سورية وفق ما ذكرت انقرة، اكتفى بالقول ان التحقيق «لم ينته بعد» وأن سوريا لم تعتذر لتركيا.
عودة الهدوء
ميدانياً، عاد الهدوء النسبي صباح أمس إلى الحدود التركية السورية في بلدة اكجاكالي حيث عزز الجيش التركي وجوده، بحسب مراسل «فرانس برس».
ونشرت تركيا دبابات وقطع مدفعية بدت مدافعها موجهة إلى الأراضي السورية في البلدة التركية الواقعة مقابل موقع تل الأبيض الحدودي من الطرف السوري الذي تسيطر عليه قوات الجيش السوري الحر منذ منتصف سبتمبر الماضي.
كما جابت آليات عسكرية كثيرة شوارع البلدة ومحيطها. وحصلت الحكومة التركية على الضوء الأخضر من البرلمان لإجراء عمليات عسكرية في الأراضي السورية في حال تهديد «امنها القومي». لكن رئيس الوزراء الإسلامي المحافظ رجب طيب اردوغان اكد أن بلاده لا «تنوي شن حرب مع سوريا». وعبر الكثير من سكان اكجاكالي الحدود بحرية لتزويد جيرانهم السوريين بالمياه او الأغذية بعد انقطاع المؤن عنهم بسبب المعارك الدامية بين الجيش الحر وقوات الرئيس بشار الأسد للسيطرة على مدينة حلب.
لكن أبدى سكان البلدة تشككهم في قدرة الرد العسكري والسياسي التركي على ردع أي هجمات دامية أخرى من الجانب السوري. وقال إبراهيم جيلدن (33 عاماً) وهو حارس امن في أكاكالي: «نحن محاصرون في المنتصف... إذا كنا سنخوض الحرب فلنذهب إلى الحرب .. لكن الآن فإننا نجلس هنا كالأهداف».
محادثات سرية
إلى ذلك، أشار مصدر دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى إلى وجود مشاورات جديدة بين روسيا وأوروبا بشأن الأزمة السورية ربما تُفضي إلى توافق بين روسيا والغرب ينهي الصراع أو يسرّع في التحول الديمقراطي. وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لوكالة «آكي» الايطالية: «قام مسؤولون روس من مستوى رفيع بزيارة إلى فرنسا الأسبوع الماضي لبحث أفكار جديدة تخص الأزمة السورية».
وأضاف: «هناك تغيّر في الموقف الروسي، وأصبح هناك قواسم مشتركة، خاصة حول مسألة حتمية تغيير النظام». لافتاً إلى انه «سيقوم مسؤول روسي هام بزيارة إلى فرنسا الأسبوع المقبل للقاء عدد من كبار المسؤولين الفرنسيين، وسيناقش الجانبان الأزمة السورية، ومن المرجح وفق المعلومات الأولية أن يوافق الروس على مقترحات أوروبية ـ أميركية لها علاقة بتغيير النظام السوري، الأشخاص المراحل والأفكار، وغالباً سيتم بحث تنحي الأسد والضمانات التي ترافق ذلك».
استثناء تركي للكهرباء
كشف وزير الطاقة التركي، تانر يلدز، أن بلاده ستواصل تزويد سوريا بالطاقة الكهربائية، نافياً نيّة أنقرة فرض أي عقوبات من شأنها أن تضر بالشعب السوري «البريء»، في أعقاب الحادث الحدودي الذي أدّى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى الأتراك.
ونقلت وكالة أنباء «الأناضول» التركية، عن يلدز قوله في كلمة ألقاها ضمن فعاليات المؤتمر الخامس لمعرض الطاقة العالمي الذي يقام في العاصمة التركية أنقرة، إن «بلاده ستستمر في دعم سوريا بالطاقة الكهربائية، خاصةً في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها، من ارتفاع في أعداد القتلى بشكل يومي، وازدياد الحاجات والمتطلبات للشعب السوري الذي يعيش مأساة حقيقية، والتي لا بد لها من أن تنتهي». وإذ نفى يلدز «نية بلاده فرض أي عقوبات من شأنها أن تضر بالشعب السوري البريء»، قال إن «مشكلتنا ليست مع الشعب، بل مع الأخطاء التي يرتكبها النظام السوري».
ولفت وزير الطاقة التركي إلى أن بلاده تعلم بأنها مصدر للطاقة الكهربائية التي تتدفق منها نحو سوريا، وأنها مصدر للطاقة المائية لكل من سوريا والعراق، مشيراً إلى أن لا نيّة لديها لرفع أسعار الكهرباء والغاز. أنقرة- يو.بي.أي
