في ضوء الانقسام الداخلي في لبنان بسبب الثورة السورية، فتح احتجاج الرئيس ميشال سليمان على التوغل العسكري السوري في البقاع الشمالي أخيراً، ثغرة جديدة في العلاقات اللبنانية - السورية وطرح أمام لبنان أسئلة شائكة في ضوء التطوّرات السورية المتسارعة، في حين أبدت جهات رسمية لبنانية تخوّفها من اقتراب الجيش السوري الحر من المعابر اللبنانية، ذلك أن احتمال إقدام المعارضة السورية على عمل عسكري واسع في دمشق، بدأ يثير لدى الجهات السياسية المعنية أسئلة عن وضع المعابر الحدودية بعد تجربتَي الحدود مع العراق وتركيا وموقف لبنان الرسمي من الاحتمالات المقبلة.

وتتمحور هذه الأسئلة حول الخطوات التي يمكن للبنان أن يتخذها حال سيطرة المعارضة السورية على أي من المعابر معه، لجهة فيما إذا كان بإمكانه أن يتخطّى الاتفاقات الثنائية، أو بوجود احتمال بأن تقدم الحكومة على إقفال الحدود من جانب واحد. ويتساءل البعض كذلك فيما إذا كان بإمكان الحكومة، أو بالأحرى سليمان بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للدفاع والقوات المسلّحة، أن يطلب من القوى الأمنية التواصل اليومي مع الجانب السوري المعارض حال سيطر على المعبر أم أنه سيمنع هذا التواصل.

وفي سياق الاحتجاج اللبناني، نفي مصدر مطلع أن يكون موقف سليمان مؤشراً على «سحب اليد من يد النظام في سوريا، فهو يتواصل مع القيادة السورية كما يفترض التواصل بين دولتين جارتين وحليفتين، ذلك أن ما يجري في سوريا هو شأن سوري بحت لا نيّة للبنان الرسمي مطلقاً التدخل فيه ولا المراهنة عليه، والمهم تحصين لبنان وإبعاده عن أيّ تطوّر دراماتيكي، سياسي أو أمني، سواء في الداخل أو على الحدود»، بحسب قول المصدر لـ«البيان».

قراءة متناقضة

وإذ تخالف قوى «14 آذار»، و«8 آذار» هذا الرأي. فإن لكل من الفريقين قراءته المتناقضة لموقف سليمان وطلبه. وهما يتفقان على أن موقفه لم يأتِ مستقلاً عن التطورات المتسارعة في سوريا، وآخرها اغتيال القادة العسكريين في دمشق، لكنهما «يتحفّظان عن الذهاب بعيداً في انتقاد الخطوة أو تأييدها، ولكل حساباته».

وأمام إصرار الرئيس اللبناني على إرسال «كتاب احتجاج» الى السلطات السورية، اختلط حابل التجاوزات والخروقات بنابل الوقائع الميدانية على الأرض، التي، وبحسب المصادر، لربما أجازت في مكان ما للجيش السوري الردّ على ما يتعرّض له من إطلاق نار وتهريب للسلاح على حدوده مع لبنان.

ملف شائك

وبانتظار ما سيؤول إليه المشهد السوري، فإن المسألة الحدودية بين البلدين شائكة جغرافياً وسياسياً والمخاوف تتمحور حول المعابر الثلاثة الرسمية: شمال لبنان، البقاع الأوسط (معبر المصنع) والبقاع الشمالي (معبر القاع - جوسيه).

استبعاد للسيطرة

وفي هذا السياق، استبعدت مصادر أمنية لبنانية مطلعة أي احتمال لاقتراب المعارضة السورية من المعابر الحدوديّة لجهة لبنان الشمالي، استناداً الى أن الجيش النظامي تمكّن من السيطرة شبه الكاملة على القرى السورية وامتداداتها قبالة لبنان، ونتيجة التوزع الطائفي والجغرافي للبلدات السورية واللبنانية الواقعة على جانبَي الحدود من جهة أخرى.

أما في البقاع، فتبدو الخشية أكبر أمنياً. وتشير المصادر الأمنية الى أن معبر القاع- جوسيه لا يزال من الجهة السورية تحت مرمى الجيش النظامي وتستبعد إمكان اقتراب المعارضة السورية منه، لكونه موجوداً من الجهة اللبنانية على مقربة من منطقة الهرمل وجوارها التي يسيطر عليها حزب الله سياسياً وأمنياً، وما يمكن أن يشكله ذلك من مواجهات غير محسومة. لذا، وبحسب المصادر الأمنية نفسها، تبقى نقطة العبور الحدوديّة عند المصنع. فأيّ تطور ميداني في دمشق يحتّم على السلطات اللبنانية الرسمية الأخذ في الاعتبار إمكان وقوع هذه النقطة من الجهة السورية في أيدي المعارضة.

كما أن معبر المصنع يقع من الجهة اللبنانية، البقاع الأوسط والامتداد نحو البقاع الغربي، في منطقة ذات أغلبية سنية وفي بلدات تحتضن المعارضة السورية، علماً أن هذه النقطة تضمّ أربعة أجهزة أمنية لبنانية هي: الجمارك، الأمن العام، قوى الأمن والجيش اللبناني. وبحسب مصدر أمني بارز، فإن لا أوامر محدّدة حتى الآن تتعلّق بهذا المعبر الحدودي.

عين العاصفة

 

تبدي مصادر أمنية لبنانية رفيعة المستوى الخوف على مصير السلاح السوري غير التقليدي الذي يطال أكثر من جهة إقليمية ودولية، بدءاً من إسرائيل وتركيا وصولاً إلى الولايات المتحدة، انطلاقاً من زوايا ومصالح مختلفة. وتشير هذه المصادر إلى أن المعابر اللبنانية في «عين العاصفة»، نظراً لخوف الجهات الإقليمية والدولية من نقل هذا السلاح إلى جهات خارج سوريا، ومنها بالتحديد حزب الله، الأمر الذي من شأنه أن يرفع قدراته العسكرية أكثر فأكثر بوجه إسرائيل، مع الإشارة إلى أن سوريا شكّلت عسكرياً، خلال الأعوام الماضية، خطّ الإمداد الحيوي، ففتحت مخازن سلاح جيشها وتولّى ضباطها وجنودها تأمين النقل لتسليمه إلى الحزب لتأمينه في القواعد الخلفيّة.