يشعر بعض نشطاء الحراك الأردني انهم وصلوا إلى «نهاية مؤلمة لحلم الإصلاح»، بعد ان اكتشفوا أن تلك الوعود التي تعهدت الحكومات بها ما هي الا «خطة لإضاعة وقتهم من جهة، ولمعرفة حقيقة الموقف الأميركي من تداعيات التغيير في المنطقة»؛ لكن آخرين لا يزالون يرددون: «لسنا أقل من غيرنا».

ويدرك المراقب للحراك الشعبي الاردني واحزابه انه رغم اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية على سياسات الدولة، إلا ان وتيرتها وغضبها انخفضا، عما كانت عليه الامور في رمضان الماضي مثلا.

واليوم، يتفق معظم النشطاء والسياسيين على أن النهج الحكومي يستند إلى وصفة «التخويف من الوطن البديل» و«اللعب على الانقسامات»، وهو ما ظهر واقعا ملموسا على الارض تمثل في احباط أصاب الجميع وخفوت في الحراك عاد بالنفع على العقل السياسي في المملكة.

إعلان الطوارئ

وعن الشأن الخارجي، يدرك السياسيون ان الثورة السورية التي تحتدم بالقرب من خاصرة الدولة كان لها وسيكون الاثر البالغ في الحراك السياسي الداخلي للأردنيين. وهو ما دفع البعض الى توقع إعلان الطوارئ في أي وقت تقترب فيها المواجهات بين الجيشين السوريين الحر والنظامي إلى الاراضي الاردنية أكثر.

ووفق مصادر، فإن الاجراءات الاردنية، حال نجح الجيش السوري الحر في السيطرة على المعابر الحدودية، «ستكون شديدة الوضوح على الداخل الاردني».

ويرى مراقبون أن «صانع القرار السياسي» استطاع استدراج الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح رويدا رويدا بقبضة ناعمة الى ان جاءت الأزمة السورية، ما جعل الأردنيين يتوقفون عن حديث الديمقراطية «بينما حدودهم الشمالية مشتعلة».

امن ومتظاهرون

والليلة قبل الماضية، دعت حراكات شبابية وشعبية الى اعتصام على الدوار الرابع للدعوة الى الافراج عن الناشط العشائري سعود العجارمة الموقوف من قبل قوات الامن بتهمة «تقويض نظام الحكم». لكن رجال الامن ومن يعرفون بجماعة «الولاء والانتماء» حضروا وغاب المعتصمون.

ويعترف أحد منسقي الاعتصام بما جرى قائلا: «لم يكتمل نصابنا للاعتصام، ونظراً للتواجد الامني علقنا اعتصامنا الى إشعار آخر».

ولمواجهة الارتباك، عقد في ظله وجهاء ومثقفون وناشطون في الحراك الشعبي في معان اجتماعا تساءلوا فيه عن سبب هذا التراجع، مشيرين إلى أن شعور الأردنيين بانعدام الامن في بعض المناطق، جعل بعضهم يتحفظ على المشاركة في الحراك، لاسيما في ظل وجود «جهات» تحاول تحميل مسؤولية الانفلات الامني الى الحراك.

خلط أوراق

من جانبه، يقول وزير الإعلام الاردني الاسبق طاهر العدوان: هناك من بات يخلط الأوراق حتى غدا الاصلاح مؤامرة والديمقراطية عدو وصناديق الاقتراع لعبة أميركية ـ صهيونية. ويردف القول: «منذ ان بدأ الربيع العربي تجددت هذه المخاوف واتسعت سياسات التخويف من الاصلاحات بين صفوف شخصيات وفعاليات مختلفة، وامتد التخويف ليطال قوى وفئات داخلية اصبحت ترى في الديمقراطية خطرا وأحيانا عدوا، وهذا امر بالغ الخطورة».

ويرى العدوان ان «تعبئة الناس او الأنصار ضد حزب او جماعة بحجة انها تسير في مؤامرة تستهدف البلاد هي دعوة مفتوحة لحشد جهة ضد اخرى ونقل المخاوف من الاخطار الخارجية التي تتطلب وحدة المجتمع الى حملات تستهدف اختلاق أعداء داخليين، ثم الذهاب الى حد تصوير الاصلاح بأنه يمهد الطريق للمؤامرة، وهذا منطق قوانين الطوارئ سيئة الذكر»، على حد تعبيره.

ويستطرد عدوان انه «مع اعادة انتاج المخاوف بعناوين جديدة في كل مرة يجد فيها النظام نفسه امام استحقاقات الاصلاح الشامل، تكونت ثقافة خاصة بالخوف والتخويف من اي خطوة إصلاحية حقيقية».

حراك رتيب

لكن بعض السياسيين يرون في بقاء تطاير دخان الحراك انتصارا بحد ذاته. ويقول الناشط السياسي عضو التيار الديمقراطي خالد رمضان إن «الحراك الشعبي استطاع ان يكسر حاجز الصمت ودوى صرخته بأن للأردنيين حقوقا». ودعا الناشط السياسي الحراكات الشبابية والشعبية الى ان «تبدأ نقاشا وحوارات فيما بينها لتطوير وسائل وآليات عملها للمرحلة المقبلة».

ويدرك رمضان ان الحراك «يكاد يدخل في نمطية لم تتغير منذ انطلاقها»، وهو ما يدعو الناشط ابراهيم سفهان الى القول: «يبدو ان الحراك وقع في ما لم يحسب حسابه اطلاقا، فمع مضي الوقت بدى للكثيرين ان المطالبات الشعبية وحراكها على الشارع تشعرهم بالملل».

سيناريو مدبر

لكن لدى الناشط في الحراك الجنوبي أبو أمير وجهة نظر أخرى، حيث يرى أن «هناك سيناريو مدبر لإشغال المجتمع بموضوع قانون الانتخاب وبمعالجات أمنية لمنع تطور الحراك الشعبي»؛ معتبرا ان ذلك «يأتي على حساب زعزعة أمن المجتمع، فزادت نسب السرقات والمشاجرات والعنف بكافة أشكاله»، على حد قوله. ويردف: «الوضع الاقتصادي السّيء للعديد من الاسر يرتبط بزيادة ارتفاع منسوب العنف المجتمعي».

ويستطرد: «الحراكات الشعبية والناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي استفزهم منظر الأيتام، خاصة في شهر رمضان الفضيل، لكن ذلك لا يكفي، فرغم أوامر كبار مسؤولي الدولة لهم ومناداتهم بإيجاد حل للأيتام، ما يزال هؤلاء ينامون على دوار عبدون ليلتهم السابعة في ظل تجاهل غير مبرر».

ضبط الإعلام

ويتزامن ذلك مع عمل حثيث على وسائل الاعلام المحلية بعد ان شعرت الدولة ان اهم ما في الربيع الاردني ليس ما يجري في الشارع وكم المشاركين في الاحتجاجات «بل في ما يجري في السماء الافتراضية من معارضة». لذا، جاء ما يسمى بالبرنامج التنفيذي للاستراتيجية الإعلامية.

والمفارقة ان احدا من الذين شاركوا في الاحتفال الذي اطلق الاستراتيجية لا يعرف ما الذي تعنيه الدولة بالضبط ببرنامجها هذا، وكل ما كانوا يظنونه وهم يشاركون في الاحتفال انهم مدعوون لمناقشة الاستراتيجية الاعلامية مع الحكومة. وبحسب ما أعلنته إحدى الشخصيات التي شاركت في الاحتفال «لم يطلع أحد على الاستراتيجية، حيث شاركنا في اطلاقها دون ان ندري ماذا تعني بالضبط».

من اجل ذلك فهم الامر بأنه «احدى الخطوات المتقدمة في التضييق على الحريات الاعلامية والصحافية، لكن ذات الشخصية التي فضلت عدم الكشف عن هويتها سخرت مما يجري، فكيف تسعى الحكومة للتضييق على شيء لا يمكن ضبطه او التضييق عليه».

ويرى مراقبون أن الحكومة تسعى من وراء البرنامج التنفيذي للاستراتيجية الإعلامية «التأسيس لمرحلة مقبلة من الاعلام، وهو ما جعل الاعلام الالكتروني المحلي يفهم المسألة في سياق التضييق عليه، لهذا وجدت البرنامج منذ ساعتها الاولى من يهاجمها ويشكك في نواياها».

كما يدعون ان الحكومة تسعى الى «اشغال الاردنيين طوال الوقت عن الانتخابات، ولا بأس عندها لو انشغل الناس قليلا في جدل؛ هل نشارك ام لا نشارك، فهذا لوحده يعطيها مزيدا من الوقت».

محددات واستراتيجية

من أجل ذلك، لا يستبعد الكثيرون أن تخرج الاستراتيجية بمقيدات ومحددات لوسائل الاعلام، خاصة بالانتخابات. ومن هنا، وصف البعض اطلاق الاستراتيجية بأنه «اطلاق لمقيدات الحريات الاعلامية، وليس لإطلاقها كما تقول الحكومة».

الحرس القديم

ويبدي الناشط السياسي بلال السمارات أسفا على مآل ملف الإصلاح السياسي والاقتصادي، قائلا: «ذهبت أحلامنا أدراج الرياح»، معتبرا أن تعديلات البرلمان على قانون الانتخاب بنسخته الثانية، يقدمه ناشطون في الحراك الشعبي على أنه «السبب الرئيس في عدم مشاركة أحزاب معارضة وقوى مجتمعية وشبابية واسعة في العرس الديمقراطي المقبل». لكن أحمد عبيدات يذهب أبعد من رفاقه في تفسير الحالة حين يرى أنه «لم يعد المستقبل واضحا لنا».

ويبدي كثير من الأردنيين قلقا لما ستسفر عنه الأيام، لكن عبيدات لديه الحل، إذ ينصح بتأجيل الانتخابات البرلمانية وحل مجلس النواب والحكومة.

ويدعم نصيحة عبيدات العديد من المؤشرات الإقليمية والمحلية التي تشي بعدم قدرة الحكومة على تنفيذ وعودها، حتى بإجراء انتخابات برلمانية قبل نهاية العام؛ وهو ما سيضع عربة الأردن على طريق وعر.

احتقان

ويردف عبيدات القول إن «تسارع الأحداث في سوريا، زاد من توقعات البعض بإمكانية توريط بلدنا والزج به للعلب دور مصيري وخطير، ويأتي ذلك في ظل توالد العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي رفعت نسب الاحتقان والقلق الشعبيين، وما العنف المجتمعي وتراجع هيبة الدولة إلا أمثلة على ذلك».

 

أزمة سياسية

 

يبدي مراقبون قلقا من تحول أي مشكلة اجتماعية إلى أزمة سياسية. لاسيما أن محافظ الزرقاء سامح المجالي عبر عن مخاوفه «من تحول مشكلة انقطاع المياه في أحياء المحافظة إلى أزمة سياسية». وهو تصريح يشي بمخاوف الدولة من ان يتحول أي مطلب خدمي ملح فجأة الى مطلب سياسي.

المحافظ أعلن في اجتماع دعا اليه المجلسين الاستشاري والتنفيذي في المحافظة أن «الملف أصبح مقلقا لنا، وهناك خشية من محاولات تسييسه». وأضاف ان عملية انقطاع المياه في الزرقاء «تحولت من مشكلة إلى أزمة إلى مرحلة ضجر». وأوضح: «إذا كانت كوادر السلطة غير قادرة على التعامل مع الأزمة الحالية، فإنه سيضطر إلى تسليم الحكام الإداريين والأجهزة الأمنية المسألة لحلها، باستحداث مكتب شكاوى تديره كوادر من الأمن العام».

 

مشاركة

 

تستعد الأجهزة الإعلامية الرسمية لتدشين حملة واسعة لحض الأردنيين على المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة. ويرى مراقبون أن هذه الحملات ترمي إلى التقليل من قيمة الأصوات الداعية لمقاطعة هذه الانتخابات.