في وقت تمور الساحتين التونسية والليبية بكثير من التطورات سياسية كانت أو أمنية، وفي أعقاب تقديم ثلاثة مستشارين رئاسيين استقالاتهم من قصر الرئاسة، دشّن وزير الإصلاح الإداري الاستقالات في حكومة رئيس الحكومة حمادي الجبالي، لما أسماه عدم تمكينه من ممارسة صلاحياته في خطوة من شأنها توسيع تصدع الإئتلاف الحاكم في البلاد، في وقت يتأهب الكثير من الليبيين في تونس لمغادرتها إلى بلدان أخرى خيفة تسليمهم لسلطات بلادهم في أعقاب تسليم آخر وزراء النظام السابق البغدادي المحمودي إلى طرابلس، فيما قالت الحكومة التونسية إن قرارها تسليم البغدادي المحمودي أتى بسبب تشكيله «عبئا وخطرا أمنيا على البلاد».
وأعلن محمد عبو وزير الاصلاح الإداري أمس، استقالته من منصبه احتجاجا على ما أسماه «استحواذ رئيس الحكومة على صلاحياته»، في أقوى إشارة على تصدع الائتلاف الحكومي الذي تقوده حركة النهضة الإسلامية.
وقال عبو وهو الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية المشارك في الائتلاف الحكومي في مؤتمر صحافي، إن «السبب الرئيسي للاستقالة هو أن الحكومة رفضت القيام بدور الرقابة على الإدارات ورفضت التغيير، بينما أنا أرى أن الإدارة التونسية في حاجة إلى التغيير باعتبارها مليئة بالفساد»، مضيفاً أن «رئيس الحكومة لم يعطه الصلاحيات لإحداث الإصلاحات»، مضيفا أنه «غير قادر على فتح ملفات الفساد الكبرى».
ويرى مراقبون أن الاستقالات التي انتظمت الحكومة التونسية سواء من استقالات المستشارين في قصر الرئاسة أو استقالة وزير الإصلاح الإداري تأتي بسبب التخبط الذي تعيشه الحكومة التونسية. كما رأوا أن هذه الإستقالة من شأنها تعميق تصدع الإئتلاف الحاكم في البلاد، لاسيما وأنها تأتي فيما تشهد العلاقات داخل الإئتلاف أزمة حادة على خلفية تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس حكومة في عهد القذافي إلى السلطات الليبية الجديدة.
تأهب مغادرة
ويستعد عشرات آلاف الليبيين لمغادرة تونس في اتجاه دول أخرى من بينها الجزائر والمغرب ومصر وبلدان أخرى.
وأكد مصدر مطّلع من الحركة الوطنية الشعبية الليبية المعارضة للمجلس الوطني الانتقالي، إن «تونس لم تعد ملاذا أمنا لليبيين المهجرين من بلادهم بعد الحرب التي أطاحت بنظام العقيد الراحل معمر القذافي»، مضيفاً «يوجد بتونس حاليا حوالي 500 ألف ليبي دخلوها فارين من ما أسماه الانفلات الأمني والثأر والتشفي والانتقام.
مشيراً إلى أن «أغلبهم ممن كانوا موظفين في الدولة الليبية أو جنودا في الجيش النظامي السابق ومن بينهم رجال أعمال أرادوا استثمار أموالهم في تونس، لافتاً إلى أن «الكثيرين منهم باعوا أملاكهم في ليبيا أملاً في ظروف مواتية في تونس، بيد أنهم أضحوا يخافون على سلامتهم الشخصية بعد أن اتسعت ظاهرة تسليم حكومة تونس الليبيين إلى سلطات طرابلس».
وأكد المصدر الذي رفض الكشف عن هويته أن، « السلطات التونسية سلمت ليبيين كثرا بأشكال مختلفة، وأن البعض تم نقلهم إلى التراب الليبي في سيارات إسعاف بعد تخديرهم ، وهناك من تعرضوا للاختطاف في ظروف غامضة»، مردفاً القول: «البعض يذهب ضحية خلافات شخصية سابقة مع الثوار وأعضاء المجالس العسكرية الحاكمة في ليبيا ، وهناك من يتعرضون للابتزاز بشكل يومي».
خطر أمني
في الأثناء، أعلن رئيس الحكومة التونسية وأمين عام «حركة النهضة» الإسلامية حمادي الجبالي، أنه «اتخذ قرار تسليم البغدادي المحمودي لليبيا لأنه بات يشكل «عبئا وخطرا أمنيا على البلاد»، مضيفاً أن «المؤسسات الأمنية والعسكرية هي الموكول إليها تقدير سرعة التسليم».
وأشار الجبالي إلى أن «مجالس أمنية وعسكرية» تونسية، قدرت أن بقاء المحمودي في تونس «أصبح يمثل عبئا وخطرا أمنيا على البلاد وقد يضر بمصالحها الاستراتيجية»، موضحاً أن حكومة طرابلس سلّمت تونس تعهدا كتابيا بمعاملة ومحاكمة المحمودي «وفق المعايير الدولية»، مردفاً القول: «لا يليق بنا اتهام إخواننا في الحكومة الليبية بالتهاون والتقصير في احترام حقوق الانسان».
ودعا الجبالي الجميع إلى «النأي بأنفسهم عن المزايدة على الليبيين في حقوق الانسان»، مُقدّماً اعتذاره إلى كل الليبيين عن ما أسماه «المزايدات»، موضحاً أن تونس رفضت منح المحمودي حق اللجوء السياسي بسبب ضلوعه في ما أسماها «جرائم حق عام»، نافياً في الوقت ذاته إبرام حكومته «صفقة اقتصادية» مع ليبيا مقابل تسليم المحمودي.
تسلل
علمت « البيان » من مصادر مُطّلعة، أن «عناصر تنظيم القاعدة الذين تعرض مخيمهم للقصف الأسبوع الماضي في أعماق الصحراء التونسية، عادوا إلى التراب الليبي دون وقوع إصابات مباشرة في صفوفهم»، مضيفة إن «السلطات التونسية تراقب عن كثب تحركات جماعات سلفية جهادية تونسية وجزائرية وليبية ومن جنسيات أخرى تقوم بإجراء تدريبات عسكرية في ليبيا.
وخاصة في قاعدة «الوطية» الجوية التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، وفي منطقة الزنتان بالجبل الغربي، حيث يتم اعداد العناصر الجهادية بهدف تسفيرهم إلى سوريا للمشاركة في الحرب ضد نظام دمشق، وإعداد بعضهم للقيام بمهام ميدانية في الدول المجاورة و منها تونس».
