دخلت تونس مرحلة حرجة في العلاقة بين شركاء الحكم وبين الحكومة والشارع والمعارضة بعد إتمام عملية تسليم البغدادي المحمودي، آخر رئيس حكومة في النظام الليبي السابق، إلى السلطات في طرابلس في خطوة وصفتها الرئاسة التونسية بغير الشرعية متهمة رئيس الوزراء حمادي الجبالي بـ «تجاوز صلاحياته» ودعت إلى جلسة في المجلس التأسيسي اليوم الثلاثاء لبحث تداعيات الأزمة.. في حين صعد الرئيس المنصف المرزوقي من لهجته ملوحاً بالاستقالة.

وفي حين نفت الحكومة التونسية وجود صفقة مالية او سياسية وراء التسليم.. علمت «البيان» من مصادر وثيقة الاطلاع أن المرزوقي دعا ظهر امس، بعد أن قضى ليلة الأحد الاثنين في حالة نفسية صعبة، عددا من مستشاريه لتدارس إمكانية استقالته من رئاسة الجمهورية على ضوء الخلافات الحادة بينه وبين الجبالي.

وقالت المصادر إن المرزوقي اتصل بعدد من الشخصيات الوطنية للحديث معهم حول انعكاسات تسليم المحمودي على الأوضاع السياسية خصوصا وان الأمر تم دون استشارته أو إعلامه به، موضحة أنّ العلاقات بين المرزوقي والجبالي وصلت الى مرحلة اللاعودة.

وتابعت المصادر إن المرزوقي تلقى نصائح بالاستقالة وتحمّس لها بعد أن شعر بأن موقفه أضحى صعبا على الصعيدين الداخلي والخارجي وخصوصا مع المنظمات الحقوقية التي سبق وأن وعدها بأنه لن يمضي على وثيقة تسليم المحمودي الا بعد ضمان حدوث تغييرات في الاوضاع داخل ليبيا تسمح بتنظيم محاكمة عادلة له. وأشارت المصادر الى ان المرزوقي بدأ في الاعداد لكتابة كلمة للشعب التونسي يكشف فيها عن ملابسات القضية وعن العلاقات المتأزمة بين اطراف الائتلاف الحاكم ، الا ان بعض مستشاريه نصحوه بالتريّث وعدم الاستعجال في تقديم استقالته.

في هذه الأجواء المشحونة، يرى المراقبون أن العلاقات بين حمادي الجبالي والمنصف المرزوقي دخلت فترة حرجة وأن عملية تسليم المحمودي أكدت وجود خلافات عميقة بين الطرفين حيث إن الجبالي ينطلق في ممارسته السياسة من قناعات حركة النهضة، التي يشغل منصب سكرتيرها العام، ومن منطلق علاقات الحزبية و«الاخوانية» مع الحركات القريبة منها فكريا وآيديولوجيا وعقائديا وتحت غطاء مباشر من أطراف خارجية تقوم بالإشراف على الملفين التونسي والليبي، في حين يشعر االمرزوقي بالعزلة نظرا لخصوصية المرجعية الفكرية لحزبه

و تحول الخلاف بين رئاستي الحكومة والجمهورية إلى خلاف بين حزبيهما وانصارهما من خلال بيانات وتصريحات نارية ومشادات كلامية على مواقع التواصل الاجتماعي.

الرئاسة تشجب

إلى ذلك، أعربت رئاسة الجمهورية التونسية عن رفضها قرار رئيس الحكومة تسليم المحمودي إلى الحكومة الليبية المؤقتة وإدانتها له واعتباره قرارا غير شرعي ينطوي على تجاوز للصلاحيات، خاصة وأنه تم بشكل أحادي ودون استشارة وموافقة وإمضاء رئيس الجمهورية.

وأكدت في بيان أن رئيس الجمهورية يعتبر أن الوضعية السياسية العامة في البلاد والناتجة عن انتخابات 23 أكتوبر 2011 هي وضعية توافقية تشكلت بموجبها حكومة ائتلافية قامت على مبدأ الاتفاق المسبّق حول كل القضايا الهامة. كما أن تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق يهم السياسة الخارجية لتونس أكثر مما يهم ميدان القضاء، وأن السياسة الخارجية هي من صلاحيات رئاسة الجمهورية. أما في حالة الخلاف فإن الأمر يوضع أمام نواب الشعب في المجلس الوطني التأسيسي.

خرق واضح

وأكدت الرئاسة التونسية قيام الجبالي بتسليم المحمودي دون تشاور لا بين الرئاسات الثلاث ولا في اجتماعات الترويكا وآخرها الذي انعقد يوم الجمعة 22 يونيو 2012 بل إن فيه تجاوزا للجنة التي كلفت بالتحقق من توفر ظروف الاعتقال والمحاكمة التي تحفظ حقوق وسلامة المتهم والتي لم تصدر بعد تقريرها النهائي.

وتابعت رئاسة الجمهورية أن أمر التسليم الذي أمضاه رئيس الحكومة فيه خرق واضح لالتزامات بلادنا الدولية وتجاه الأمم المتحدة خاصة وأن المنظمة الدولية للاجئين طالبت السلطات التونسية بعدم تسليم المحمودي قبل البت في مطلب اللجوء المقدم من طرفه بحسب ما يجري به التعامل وفق اتفاقية جنيف للعام 1951.

وشددت على أن تسليم المحمودي بهذه الطريقة فيه خروج خطير على مبدأ التوافق كما اقتضاه التنظيم المؤقت للسلطات العمومية وانحراف كبير عن المبادئ التي قام عليها الائتلاف الحالي، وهو يهدد صورة تونس في العالم ويظهرها كدولة غير ملتزمة بتعهداتها وغير حريصة على احترام مقومات المحاكمة العادلة، محملةً رئيس الحكومة تبعات ذلك من تهديد للسلامة المعنوية والجسدية للمحمودي وما قد يكون لهذه الخطوة من انعكاسات على الائتلاف.

وأردف البيان إن «رئيس الجمهورية قرر عرض هذا التجاوز للصلاحيات على نواب الشعب في المجلس الوطني التأسيسي لأخذ ما يتوجب من مواقف بمقتضى الفصل 20 من التنظيم المؤقت للسلطات العمومية.

ومن المنتظر أن تنعقد اليوم جلسة عامة مفتوحة للمجلس قالت النائبة الأولى لرئيس المجلس محرزية العبيدي عن حركة النهضة إن المجلس سيكون بمثابة الحكم في النزاع القائم.

تهديد للاستقرار

بدوره اعتبر الناطق باسم الرئاسة التونسية عدنان المنصر في حوار بثّ على التلفزة الوطنية مساء أول من أمس ، أنّ قرار المحمودي تهديد للاستقرار السياسي في تونس.

وبيّن المنصر أن الجبالي تجاوز صلاحياته بتسليمه المحمودي وأقرّ بأن عملية التسليم غير شرعية وتمّت دون استشارة أو إعلام أو موافقة الرئيس المرزوقي. بن جعفر يغلق هاتفه

قال الناطق باسم الرئاسة التونسية عدنان منصر إن رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر يعمد دائما في نهاية عطلة الأسبوع الى غلق هاتفه خلال اجابته عن السؤال المتعلق بعملية ترحيل المحمودي. وأضاف منصر: «لدي شبه انطباع أن الرجل لم يكن يعلم». وصمة عار

ذكرت حركة وفاء المنشقة عن حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الشريك في الحكم في بيان تلقت «البيان» نسخة منه أن الحركة إذ تُذكّر بحق الشعب الليبي الشقيق في محاكمة كلّ من كان ضالعًا في قمع أبنائه وقتلهم وتعذيبهم بمن في ذلك المحمودي ، فإنّها تجدّد التذكير برفضها الشديد لتسليمه إلى السلطات الليبيّة حاليّا وتعتبر الحركة أن تسليمه في هذه الظروف هي وصمة عار في المشوار الحقوقي لتونس.