أقرب إلى الضبابية تبدو رؤية المشهد المصري، لاسيما بعد أن دخلت العملية السياسية أطواراً متقدمة، على خلفية الانتخابات وما تمخضت عنه بوجوب إجراء «جولة إعادة»، فضلاً عن إلقاء محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك مزيداً من الحطب على اللهيب المشتعل. وتتبدى أبرز ملامح الضبابية في الاتهامات المتبادلة بين القوى الوطنية، سواء الأحزاب أو الحركات الثورية وائتلافات الشباب والتي تمخّض عنها «رحم ثورة 25 يناير»، بشأن تبني البعض أساليب «المُتاجرة السياسية» بدماء الشهداء، والقفز على الأحداث في محاولة الترويج لأنفسهم والمتاجرة بالمواقف المختلفة، إذ يواجه أنصار التيار الإسلامي، والذي خرج للنور بصورة لافتة في أعقاب الثورة غانماً الأغلبية، اتهامات بـ«المُتاجرة بالدين» لكسب مساحة أوسع على الساحة المصرية، وزيادة قاعدة الأنصار والمؤيدين في الشارع.

قاسم مشترك

ولعل مصطلح «مُتاجرة» صار القاسم المشترك في الاتهامات التي يواجهها الإسلاميون في مصر على وجه التحديد، إذ كان آخر فصولها اتهام مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي وجماعته بـ «المُتاجرة بدماء الشهداء»، على خلفية الحُكم الصادر على الرئيس السابق حسني مبارك، إذ استغل مرسي الغضب الشعبي على الحكم، وراح يروج لنفسه سياسيا، ويعلن عن التزامه بإعادة المحاكمة من جديد حال فوزه بمنصب رئاسة الجمهورية، وإبقاء الرئيس السابق في السجن مدى الحياة، فضلاً عن القصاص لدماء الشهداء، إذ اعتبرت قوى ثورية وعود مرسي بـ «محاولة القفز على الأحداث، والمُتاجرة بدماء الشهداء، والمواقف الرنانة للحصول على دعم الشارع»، كما تتهم القوى الثورية جماعة الإخوان المسلمين، بــ «تعمد صنع آلية للدعاية السياسية لمرشحها من كل أزمة يواجهها الشارع، في تهميش واضح وصريح للمصلحة العامة على حد قولها.

تحذيرات

من جهته، يحذّر رئيس حزب شباب مصر أحمد عبد الهادي، الذي أنشئ حديثا في أعقاب الثورة، من «المتاجرة بدماء الشهداء، واستغلال الحُكم على الرئيس السابق دعاية سياسية لهم»، مطالبا الجميع بـ«ضرورة الالتزام بالموقف العام وإعلاء المصلحة العليا فوق كل اعتبار، وعدم محاولة القفز السياسي على الأحداث»، لافتاً إلى أن «الشارع المصري سأم هذه الممارسات، ويرفض المُتاجرين باسمه أو المُتاجرين بالثورة وبدماء الشباب المصري».

رفض واستنكار

وفي مواجهة سيل الاتهامات، تستنكر الفصائل الإسلامية الاتهامات في كل بادرة، مؤكدة على أنها «لم تتاجر يوما بدماء الشهداء أو بالدين أو بالثورة»، معلنة «التزامها حدود التعبير عن موقفها، في وقت اختلطت في الأوراق وارتفع سقف المزايدات بالشارع المصري من قبل كثير من القوى السياسية والثورية».

وأكد الأمين العام لحزب النور، طارق يحيى في تصريحات لـ«البيان»، على رفضه لجملة الاتهامات بحق التيار السلفي سواء في المتاجرة بالدين أو دماء الشهداء، مشيرا إلى أن حزبه وبشهادة كبار الساسة في مصر «ناضج سياسيا»، ولا يمكنه أبدا التورط في مثل تلك الوقائع المخالفة للشرع في الأساس»، موضحا أن «الحزب قد سقط في فخ الكثير من الشائعات التي أثيرت حوله، مثلما ثارت حول كثير من الفصائل الإسلامية، إلا أن النتيجة الأخيرة أن الشارع المصري لم يصدقها، وراح يعطي صوته للإسلاميين، ويعبّر عن ثقته فيهم بكل وضوح في الانتخابات البرلمانية».

سيل اتهامات

 

تواجه القوى الإسلامية في مصر، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، اتهامات بالمتاجرة بالدين ودماء الشهداء. ويرى مراقبون أن «هذه القوى تحاول التأثير في الناخبين وعلى جموع الشعب المصري، من خلال استغلال المساجد في الدعاية السياسية لهم ولأفكارهم، ولمرشحيهم، سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية». كما تمارس هذا القوى على حد قول المراقبين، «التكفير السياسي» وإقناع المواطنين أن من يتخذ موقفا مخالفا لموقفها يُعدّ آثما.