عززت المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات الرئاسية في مصر حالة الاستقطاب الحاد بين المصريين، التي بدت واضحة في كثرة عدد المرشحين، حتى من بين أنصار التيار الواحد.واقترع ملايين المصريين بحرية للمرة الأولى في تاريخهم لاختيار رئيسهم في منافسة شرسة بين مرشحين إسلاميين ومرشحين كانوا مسؤولين في حكومة مبارك الذي أطيح به في انتفاضة شعبية مطلع العام الماضي.
وعقب ستة عقود من حكم الفرد المدعوم من الجيش يمكن لأكثر من 50 مليون ناخب أن يختاروا ما إذا كانوا سيضعون ثقتهم في رئيس إسلامي لمدة أربعة أعوام بعدما انتخبوا برلمانا هيمن عليه الإسلاميون قبل عدة شهور.وعبر البعض عن مخاوف من احتجاجات عنيفة يمكن أن تندلع في الشوارع خاصة إذا فاز شفيق وهو قائد سابق للقوات الجوية مثل مبارك. وكان محتجون رشقوه بالأحذية والحجارة شفيق بعد أن أدلى بصوته في لجنة انتخاب بشرق القاهرة.يقول الناخب شريف عبد العزيز 30 عاما، الذي انتخب مرسي:
«إذا فاز شفيق ستحدث ثورة، كل الناس سينزلون إلى ميدان التحرير من جديد».أما أحمد شلتوت 36 عاما، يعمل محاميا فيقول إنه صوت لصالح مرسي، مضيفا: «هذه أول مرة نستطيع فيها اختيار رئيسنا بشكل حقيقي ولن يتدخل أحد في النتيجة».وقال ناخب آخر يدعى محمد سالم وهو صاحب متجر لبيع التذكارات للسياح قرب منطقة الأهرام إنه صوت لصالح موسى.
وعلل ذلك بقوله: «نريد الأمن والازدهار مثلما كان في السابق، قطاع السياحة كان الأكثر تضررا، كان لا يمكننا إحصاء عدد السياح الذين يأتون إلى متاجرنا يوميا، أما الآن فنادرا ما يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة».بدورها، تقول ليلى والدة الناشط خالد سعيد الذي كان مقتله على أيدي أفراد من الشرطة خلال إلقاء القبض عليه في مدينة الإسكندرية الساحلية عام 2010 سببا في تصاعد المعارضة لمبارك إنها ضد «الفلول» في إشارة إلى المسؤولين السابقين في عهد مبارك شفيق وموسى.
وقالت لوكالة «رويترز»: «خالد مات من اجل بلده.. الشبان الذين مثله يستحقون مستقبلا أفضل.. لو أحد من الفلول فاز تكون الانتخابات مزورة، المصريون لن يتركوا ثورتهم أبدا». ويشعر بعض المصريين بالقلق من تزايد الجريمة والاضطرابات وتدهور الاقتصاد ولذا يفضلون رجلا له خبرة بالعمل الحكومي أو شخصية عسكرية حتى لو عاد ذلك بهم إلى عهد مبارك. من جانبه، يقول الخبير الانتخابي أسامة كامل إن التصويت شهد انتهاكات أقل مما حدث في الانتخابات البرلمانية التي أجريت على مراحل انتهت في يناير.
ويردف القول إن ذلك يرجع لأمور بينها الدروس المستفادة من الانتخابات السابقة. وقال كامل إن السيطرة على الحملات الانتخابية في يوم الانتخابات «تحسنت كثيرا عما كان عليه الأمر في الانتخابات البرلمانية عندما وقع كثير من الانتهاكات حيث كان المرشحون وانصارهم يؤثرون على الناخبين خارج مراكز الاقتراع».
خطوة حيوية
وتمثل الانتخابات خطوة حيوية في مرحلة انتقالية يقودها الجيش اتسمت بالاحتجاجات والعنف والنزاعات السياسية. وتعهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى شؤون البلاد بعد الإطاحة بمبارك في 11 فبراير 2011 بتسليم السلطة إلى رئيس جديد بحلول الأول من يوليو المقبل.
وحتى الآن من المتوقع أن يظل الجيش صاحب نفوذ في الأعوام المقبلة. كما أن النزاع حول عملية صياغة الدستور الجديد يعني أن الرئيس المقبل لن يكون على علم بسلطاته عندما يجري انتخابه.وقال العضو المستقل في البرلمان عمرو الشوبكي إن الانتخابات الرئاسية بداية وليست نهاية عملية الانتقال السياسي في مصر.
ويبدو المصريون منقسمين حتى داخل الأسرة الواحدة بين من يفضلون منح الإسلاميين فرصة لحكم البلاد ومن يجعلون الأمن أولويتهم. يقول سيد محمد وهو مدير بإحدى الشركات: «الأمن هو الأهم بالتأكيد، إذا توفر الأمن سيكون لدينا عمل ومال واقتصاد، وإذا غاب الأمن فلن يأتي السياح».
وأيا كان الفائز فإنه يواجه مهام مضنية مثل إصلاح الاقتصاد وإعادة الأمن، وقوة الشرطة الهائلة التي انهارت فعليا خلال الانتفاضة ضد مبارك أصبحت ظلا لما كانت عليه في السابق. والأمن هو أقوى أوراق شفيق الذي عين رئيسا للوزراء قبل ايام من سقوط مبارك لكنه استقال بعد ذلك بفترة قصيرة تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية.
