انتشر الجيش اللبناني نهار أمس بشكل كامل في المناطق التي شهدت اشتباكات في مدينة طرابلس على مدى ثلاثة أيام وأسفرت عن مقتل تسعة أشخاص وجرح عشرات آخرين، مؤكدا أن دوره حماية الاستقرار وليس مواجهة الأهالي، موجهاً رسالة تحذير من انه سيطلق النار على اي مسلح فور مشاهدته دون إنذار، تزامنا مع إعراب واشنطن عن قلقها للوضع الأمني في المدينة. من جانبها عبرت واشنطن عن قلقها للوضع الأمني في مدينة طرابلس.

وذكر بيان صادر عن قيادة الجيش اللبناني امس أن وحدات الجيش «استكملت عملية الانتشار في المناطق التي شهدت اشتباكات مسلحة في طرابلس وخصوصاً في أحياء جبل محسن وباب التبانة وشارع سورية وأعادت الوضع إلى طبيعته». وأضاف إن وحدات الجيش «تقوم بتسيير دوريات وإقامة حواجز في الشوارع لمنع الإخلال بالأمن».

وأبدت قيادة الجيش أسفها لسقوط ضحايا في صفوف المدنيين والعسكريين. وأضاف إن «قيادة الجيش تؤكد قرارها الحاسم بإزالة كافة المظاهر المسلحة بما في ذلك إطلاق النار من دون إنذار باتجاه أي مسلح فور مشاهدته كما أنها ستقوم بكلّ ما من شأنه الحفاظ على السلم الأهلي ومنع الفوضى».

تفاهم واجتماع

في هذه الاثناء، قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إن «الوضع الأمني الذي ساد خلال اليومين الماضيين انتهى». وأضاف ميقاتي خلال لقاء له مع صحافيين في مقر رئاسة الحكومة «الساعات الـ 48 الماضية كانت صعبة».

مشيرا إلى انه اجتمع مع «كل الأطراف السياسيين المعنيين بالوضع في طرابلس ومع قادة سلفيين وتم التفاهم على أمور عدة، بينها وقف النار». بدوره، قال الرئيس اللبناني ميشال سليمان في مقابلة مع صحيفة «اللواء» إن «ما حصل في طرابلس مؤسف ونتيجته المباشرة توتير أمني يخشى معه الانزلاق إلى تدهور أمني لا مصلحة وطنية أولاً ولا مصلحة للأفرقاء ثانياً في حصوله». واردف: «لا علاقة للموضوع الداخلي السوري بما حصل خصوصاً وان توقيف شادي المولوي جاء بناء على معلومات للأجهزة الأمنية، وبالتالي القضاء هو الذي يقرر في هذا الشأن».

قلق اميركي

وفي سياق متصل، أبلغت السفيرة الأميركية لدى لبنان مورا كونيلي رئيس مجلس الوزراء اللبناني قلق بلادها للوضع الأمني في مدينة طرابلس الساحلية الشمالية.

.. ويؤكد انه سيضرب بيد من حديد

 

بعدما أظهرت الأيام الماضية أن صوت الرصاص كان الأعلى في عاصمة الشمال طرابلس، والتي بدت محكومة بشريعة السلاح والفوضى، إذ بلغ الوضع المتفجر فيها ذروة خطورته في اليوم الثالث، أول من أمس، مع وقائع ميدانية عكست استشراء الفلتان الميليشيوي المسلّح وحرب الشوارع، حسم الجيش اللبناني قراره بأن يكون إلى جانب أهل طرابلس، وأن يضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه الوقوف بوجه قرار إعادة انتشار الجيش في المدينة.

وشبح الفتنة الذي كان أطلّ، من عاصمة الشمال، فرض على السياسيين إجماعاً على ضرورة رفع الغطاء عن المسلّحين ومؤازرة الجيش الوطني في مهمته الصعبة، رغم أن بعضهم لم يتردّد في توجيه السهام، قبل هذا القرار، إلى المؤسّسة العسكرية نفسها. وفي المحصلة، حصل الجيش على «الضوء الأخضر» وبدأ انتشاره في الساحات الطرابلسية، ليبدو الرهان عليه كبيراً ليعيد هدوءاً إلى مدينة لا يشكّك أحد أنها ستبقى «ساخنة» تترقّب شيئاً ما.

وعلى وقع التغطية السياسية الشاملة والصريحة، كان الجيش اللبناني وضع وحداته في حالة جهوزية كاملة، قبل أن يدخل عند ساعات الفجر الأولى أمس الى كل أحياء المدينة، وخاصة باب التبانة وجبل محسن والقبّة. علماً أن الغطاء السياسي الرسمي توافر للجيش من خلال قرارات مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع.

وفي هذا السياق، أكدت مصادر رئيس الحكومة لـ«البيان» أن القرار السياسي بالدعم المطلق اتخذ، لكن المجال مفتوح حالياً للاتصالات السياسية لتأخذ مداها حفاظاً على السلم الأهلي. وانتقدت المصادر الكلام عن أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هو من يتحمل المسؤولية، كما ورد في دعوة النائب محمد كبارة الرئيس نجيب ميقاتي للاستقالة.

وكانت الدولة اللبنانية تسير على توقيت التطورات في طرابلس، حيث كان الوضع الميداني فيها مفتوحاً على كل الاحتمالات، وأحداثها جمّدت كل الملفات. وحتى ساعات متأخرة من ليل أول من أمس، بقي التوتر على حاله، رصاص وقطع طرقات واعتصامات ومزايدات سياسية. علماً أن القضاء وضع يده على قضية توقيف شادي مولوي الذي كان توقيفه يوم السبت الفائت في مكتب تابع للوزير محمد الصفدي على أيدي الأمن العام شرارة التفجير، فادّعى القاضي صقر صقر على مولوي وخمسة آخرين، وذلك بجرم «الانتماء الى تنظيم إرهابي مسلّح، بقصد ارتكاب الجنايات في لبنان والخارج والنيل من سلطة الدولة وهيبتها».

إلى ذلك، برز في المواقف كلام للنائب وليد جنبلاط اعتبر فيه أن بعض الأجهزة الأمنية يعمل بوحي سوري، متسائلاً: «لماذا إصرار بعض الدول والقوى السياسية والأجهزة الأمنية اللبنانية على اعتبار أن سياسة الحسم الأمني التي روّج لها النظام السوري تقترب من النجاح؟»، مشدداً على أن تهدئة الأمور وتنقية الأجواء في طرابلس «لا تتحققان من خلال بدع اتهامية، لأن تطبيق هذا المنحى سيفتح الباب أمام تأويلات لا تنتهي».

وفي مقابل المواجهات الميدانية التي شهدتها مدينة طرابلس، والتي انهمك السياسيون بتحليلها، أمل رئيس الوزراء السابق سعد الحريري في أن «يعمّ الخير والعدل كل اللبنانيين والعرب». وقال في دردشة عبر موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي: «نحن مدرسة القانون والسلم الأهلي، لا نحمل السلاح بل كلمة الحق، والدولة العادلة هي الحل». وعما اذا كان يعتقد أن أحداث طرابلس هي مؤامرة، قال: «حتى ولو كانت مؤامرة، فيجب عدم الوقوع فيها».

كذلك، برز على الصعيد السياسي تحرك لسلفه فؤاد السنيورة، الذي أجرى اتصالات شملت الرئيس ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة ميقاتي. وعلمت «البيان» أن السنيورة أكد أن تيار المستقبل لا يغطي أي مسلح ويطالب السلطة السياسية بإنزال الجيش والقوى الأمنية في طرابلس لقمع أي مخالفة.

 

انتهاك

 

اعتبر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أن اعتقال الشاب شادي المولوي لم يكن لائقاً أو مقبولاً بل هو انتهاك لهيبة القضاء. وأكد ميقاتي في تصريح صحافي «أن الحكومة تعمل على مساعدة المظلوم لكن ليس على حساب العدالة»، مشدداً على رفضه نزول الجيش لمواجهة المواطنين. وعبر عن رفضه أيضاً حصول أي انفلات أمني، مؤكداً على ضرورة تفادي سقوط اي نقطة دم في طرابلس وأنه على اتصال دائم مع كافة القيادات في طرابلس إضافة إلى الرئيس فؤاد السنيورة لإعادة الاستقرار الأمني إلى المدينة.