في أعقاب الانتخابات البرلمانية في الجزائر، التي تمخضت فوزاً كاسحاً لحزب جبهة التحرير الوطني وحصوله على 220 مقعداً برلمانياً، فجّر الحزب مفاجأة كبرى بإعلانه الزهد في رئاسة الحكومة المقبلة، في وقت أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات تفوقاً كبيراً للإسلاميين في دوائر العاصمة الجزائر، في الأثناء أشادت الجامعة العربية بالانتخابات الجزائرية، لافتة إلى أنها أجريت في «أجواء ديمقراطية».
وأكدت جبهة التحرير الوطني الفائزة بانتخابات البرلمان الجزائري في بيان مفاجئ أنها «زاهدة في رئاسة الحكومة، وتترك حرية الاختيار للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة». وقال الأمين العام للحزب عبدالعزيز بلخادم الفائز بـ 220 مقعداً من أصل 462 مقعدا في البرلمان في مؤتمر صحافي: إن «تشكيل الحكومة ليس مبنيا على مبدأ الأقلية والأغلبية.
وهذا الأمر متروك للرئيس». ويرى محللون أن موقف جبهة التحرير الوطني يشكّل مفاجأة من العيار الثقيل، ملقياً بظلاله على مصداقية نتائج الانتخابات، إذ يطرح سؤالاً جوهرياً حول معنى دخول جبهة التحرير معترك الانتخابات للفوز، ثم إعلانها الزهد في رئاسة الحكومة.
يذكر أن بلخادم كان دعا إلى تعديل الدستور بصورة تتيح تعيين رئيس الحكومة من الأغلبية الفائزة وهو ما لا يضمنه الدستور الحالي، مبدياً في الوقت ذاته استعداده الدخول في تحالفات حزبية داخل البرلمان، بما يضمن الأغلبية لحزبه، دون أن يستبعد التحالف مع الإسلاميين. وفيما لم يحصد الإسلاميون سوى 59 مقعداً برلمانياً في الانتخابات، أظهرت النتائج النهائية تحقيقهم فوزاً كبيراً في العاصمة التي يقطنها نحو خمسة ملايين نسمة، إذ ما تزال تشكّل معقل المعارضة لنظام الحكم في البلاد وفق مراقبين.
وفاز تكتل «الجزائر الخضراء» الذي يتألف من ثلاثة أحزاب إسلامية رئيسية تتمثل في: حركة مجتمع السلم (الإخوان المسلمون)، وحركتي النهضة والإصلاح بـ 13 مقعدا ليحل في المرتبة الأولى، تليه جبهة التحرير الوطني الحاكمة بـ 10 مقاعد، ثم حزب العمال اليساري بسبعة مقاعد، وجبهة القوى الاشتراكية «أقدم الأحزاب المعارضة» بأربعة مقاعد، ثم التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الوزراء أحمد أويحيى بثلاثة مقاعد. يذكر أن نتائج الانتخابات أسفرت حسب الأرقام الرسمية عن فوز جبهة التحرير بـ 220 مقعدا من أصل 462 مقعدا في البرلمان، يليها التجمع الوطني الديمقراطي بـ 68 مقعدا، ثم الإسلاميين مجتمعين بـ 48 مقعدا.
إشادة عربية
على الصعيد ذاته، أشادت جامعة الدول العربية بالانتخابات الجزائرية، مشيرة إلى أنها تمّت في مجملها في «جو من الحرية والديمقراطية سمحت للمواطن الجزائري بممارسة حقه في اختيار مرشحيه دون عوائق أو ضغوط».
وهنأت الجامعة، في بيان لها أمس، الجزائر رئيساً وحكومة وشعباً ما وصفته بـ«الإنجاز الهام» والذي سجل خطوة هامة في مسيرة الجزائر نحو الإصلاحات التي تحقق طموحات الشعب الجزائري.
وأشار البيان إلى أن «بعثة الجامعة التي ضمت 132 عضوا لاحظت توفير الإدارة الجزائرية الظروف الموضوعية لإتمام العملية الانتخابية في أجواء من الحرية والعدالة دون تدخل من جانبها» ، مشيرا إلى أن «البعثة أكدت أن العملية الانتخابية تمت وفقا لما جاء في القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات الجزائري وبالاتساق مع المعايير والضوابط الدولية المتعارف عليها».
مصادر جزائرية: السلطة تستنسخ نفسها
أشارت مصادر صحافية جزائرية إلى أن «نتائج الانتخابات البرلمانية، التي سيطر عليها حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، خيّبت آمال الجزائريين في التغيير ومكنت النظام من استنساخ نفسه بعد حصده الأغلبية المطلقة في البرلمان المقبل المكلف بإدخال تعديلات جوهرية على الدستور الحالي. وأضافت المصادر أن «النتائج التي كشف عنها وزير الداخلية فجّرت واحدة من أكبر المفاجآت، ليس بسبب تصدر «جبهة التحرير» النتائج، بل العدد الكبير من المقاعد التي حصل عليها، والتي وصلت عتبة الـ 220.
يضاف إليها نتيجة حزب أحمد أويحيى التي بلغت 68 مقعدا من أصل 462 مقعدا في البرلمان»، لافتة إلى أن هذه النتائج فاجأت السلطة نفسها، بعد أن مرّت بواحدة من أصعب فتراتها خلال ما يقارب العام نوصف بسبب المخاوف من وصول رياح الربيع العربي.
وهي المخاوف التي حتمت عليها الانخراط في مسار إصلاحات، سرعان ما تبين أنه كان مجرد حيلة من السلطة لربح الوقت وتفويت الفرصة على حراك شعبي كان على فوهة بركان». وتشير المصادر إلى أنه «إذا كان التجمع الوطني الديمقراطي تلقى صفعة قد تخسره نفوذه التمثيلي مقارنة بغريمه جبهة التحرير، فإن التيار الإسلامي يبقى الخاسر الأكبر بعد تخييبه آمال أنصاره لاسيما تكتل الجزائر الخضراء المشكل من ثلاثة أحزاب تضم حركة مجتمع السلم وحركتي النهضة والإصلاح.
واللتين لم تحصلا مجتمعتين سوى على 48 مقعدا، في سيناريو لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين حتى من خارج التحالف الذي ولد على عجل وفي ظل إرهاصات صعبة». واعتبرت المصادر أن «غرابة المفاجأة تزداد عندما يلاحظ أن أبناء التيار الإسلامي بكامل تجلياتهم، لم يحصلوا مجتمعين سوى على 59 مقعدا، إذا ما احتسبنا ما حققته جبهة العدالة والتنمية، التي يرأسها عبدالله جاب الله سبعة مقاعد، وجبهة التغيير التي يرأسها الوزير الأسبق عبدالمجيد مناصرة 4 مقاعد».
