وصلت وتيرة العنف التي يستخدمها النظام السوري ضد معاقل الثورة إلى المستويات السابقة على وصول بعثة المراقبين الأمميين، حيث دكت أمس مدن دير الزور وحماة ودوما وحرستا بريف دمشق بالمدافع والدبابات والصواريخ والمروحيات، قتل خلالها 22 شخصاً غداة مقتل أكثر من مئة شخص.
وقال ناشطون ولجان حقوقية أمس، إن 22 شخصاً قتلوا في سوريا في عمليات عسكرية نفذتها القوات الموالية للنظام. وسقط 12 قتيلاً في دير الزور، وستة في حلب، وثلاثة في حمص، وقتيل في ريف دمشق.
وأفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن عدة أحياء وبلدات في محافظة دير الزور تعرضت لعمليات اقتحام وقصف مدفعي وصاروخي بالدبابات والمروحيات، ما أدى إلى تدمير عدة منازل، وسقوط قتلى وجرحى.
وقالت لجان التنسيق المحلية إن بلدة موحسن بريف دير الزور شهدت حركة نزوح كبيرة باتجاه قرى البوليل والميادين والقرى الأخرى، بالإضافة إلى تصاعد أعمدة الدخان من البيوت نتيجة القصف. وأضافت اللجان أن القوات الموالية للنظام قطعت الطريق الدولي الواصل بين مدينتي البوكمال ودير الزور، وأعادت الباصات والسيارات المتجهة إلى المدينتين.
عمليات ريف دمشق
وفي ريف دمشق، دارت اشتباكات بين القوات النظامية ومنشقين في مدينة زملكا أسفرت عن مقتل عسكري منشق، كما وقعت اشتباكات في عين ترما استخدمت فيها القوات النظامية الرشاشات الثقيلة وقذائف الهاون، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
واقتحمت قوات الأمن في ساعات الصباح الأولى مناطق بسطرة والبساتين في مدينة حرستا، مدعومة بالمدرعات والأسلحة الثقيلة، وشنت حملة مداهمات واعتقالات، بحسب لجان التنسيق المحلية.
وتجدد القصف على مدينة دوما مع حملة مداهمات «رافقها تخريب للمنازل والمحال التجارية ومحاصرة المشافي»، وذلك غداة زيارة وفد المراقبين إلى المدينة، ما أسفر عن سقوط عدد من الجرحى، بحسب اللجان. وقال عضو الهيئة العامة للثورة السورية في ريف دمشق أحمد الخطيب، في اتصال عبر «سكايب» مع وكالة «فرانس برس» إن مدينة دوما «تتعرض لليوم الرابع على التوالي لنيران القوات النظامية». وأضاف أن «أهالي دوما يوجهون نداء للجنة الدولية للقدوم إليها، وترك بعض المراقبين فيها لتشكل لهم نوعاً من الحماية» من القوات النظامية.
قصف لليوم الثاني
وفي حماة، أكد ناشطون أن قوات النظام واصلت لليوم الثاني على التوالي قصف المدينة. كما سمعت أصوات إطلاق نار وانفجارات ليلاً بعدد من الأحياء. وأفادت لجان التنسيق بسماع أصوات إطلاق نار وانفجارات في عدد من أحياء المدينة التي شهدت قصفاً أول أمس على حي مشاع الطيران أسفر عن مقتل عدد كبير من الأشخاص، رغم وجود مراقبين اثنين في المدينة.
تجدّد الحملة
وفي حلب، وقال الناطق باسم اتحاد تنسيقيات حلب محمد الحلبي في اتصال مع «فرانس برس» إن «الحملة العسكرية للقوات النظامية تجددت قبل يومين على مناطق في ريف حلب الشمالي، منها اعزاز وتركمان بارح ومارع ودير جمال، بعدما كانت توقفت إثر إعلان وقف إطلاق النار» في الـ12 من أبريل الجاري. وأضاف أن مدينة حلب تشهد «حملة اعتقالات لم يسبق لها مثيل، أسفرت عن توقيف العشرات من الأشخاص بغية إخماد الحراك الشعبي».
تحركات المراقبين
وفي السياق، زار عدد من فريق المراقبين الأمميين مدينة الكرك في ريف درعا. وبث ناشطون لقطات مباشرة لوصول البعثة إلى المدينة التي تتعرض باستمرار لحملة عنيفة من القوات النظامية. كما زارت البعثة محافظة السويداء. وقال الناطق باسم المراقبين نيراج سينغ في تصريح للصحافيين في السويداء: «التقينا في مدينة شهبا عدداً من الأشخاص، وهذا يأتي في إطار مهمتنا التي نقوم بها، وقد زرنا محافظات حمص وحماة وبعض مناطق ريف دمشق».
نساء يخاطرن بحياتهن لإغاثة المنكوبين
عندما سقط الأسبرين والكحول من بين طيات ملابسها عند نقطة تفتيش تابعة للجيش السوري، تسمّرت رانيا في مكانها ونظرت إلى سلعها المهربة على الأرض أولًا ثم إلى الجندي الذي نظر مباشرة إلى عينيها.
وقالت رانيا، 27 عاماً، وهي تتذكر الحادثة التي وقعت على مشارف العاصمة السورية دمشق: «قلت لنفسي: انتهى الأمر. سيقتلونني». لكن رانيا كانت محظوظة وتعاطف معها الجندي. ونقلت عن الجندي قوله لها: «أسرعي.. اجمعي الأدوية الخاصة بك وانصرفي قبل أن يعود قائدي». وأفلتت رانيا بهذا العفو.
ورانيا وأصدقاؤها مجموعة من النساء السوريات اللاتي يتعمدن ارتداء الحجاب والملابس الفضفاضة لإخفاء الدواء والغذاء والمال وتهريبه من دمشق إلى حمص. وتعمل رانيا، وهي محامية، في فريق من أربع نساء بينهن صديقتان تعملان في متجر، وتعمل صديقتهن الرابعة طبيبة. ووافقت واحدة أخرى بالفريق اسمها علا على الرد على الأسئلة عبر صديقة أحياناً ما تساعدهن. وطلبت هذه الصديقة عدم ذكر اسمها.
وترك الأربعة أعمالهن، باستثناء الطبيبة، التي تعمل أربع نوبات في الأسبوع. وقالت علا: «بعنا كل ما أمكننا بيعه.. حتى مجوهراتنا. قمنا بتخزين الأرز والسكر والمعكرونة وزيت الطعام في الشقة. تستخدم الطبيبة مصادرها للحصول على مضادات للالتهاب وضمادات وعلاج للصدمة».
ويأكل الأربعة مرتين في اليوم توفيراً للمال، ونادراً ما يجرين اتصالات هاتفية، ولا يغادرن الشقة إلا للضرورة، ويعملن في أثناء الليل. وعندما يقوم ناشطون آخرون بزيارتهن يطلب الفريق منهم إحضار طعامهم معهم لتوفير النفقات.
وتبدأ العمليات في الشقة، حيث تبدل النساء الأربعة ملابسهن بملابس ذات أكمام طويلة ويرتدين الحجاب. وأردفت الصديقة: «أنا نحيلة، لذا يمكنني أن أهرب الكثير من الشاش الطبي تحت ملابسي.. تهرب إحدى البنات ضمادات قطنية في حمالة صدرها». ويسافر الأربعة اللاتي يخفين المضادات الحيوية في طيات ملابسهن بمفردهن في سيارة أجرة خاصة، أو حافلة، ويتوجهن شمالاً صوب مدينة حمص. وقالت الصديقة: «تعرف الحكومة كل شيء.. لكنها لا تريد المزيد من المتاعب.. اعتقل أفراد أمن في دوما بدمشق بعض النساء، وسبَّب الأمر قدراً كبيراً من العصيان المدني».
