قبل أن يُطلع كوفي أنان مجلس الأمن، في جلسة مغلقة عبر الفيديو، على تقريره بخصوص مهمته في سوريا؛ كانت التسريبات حول مضمونه قد سبقته إلى واشنطن وخلاصتها أن وقف إطلاق النار ما زال حبراً على ورق. لا عدد المراقبين يكفي ولا الالتزامات تحققت على الأرض.
لكن الإدارة الأميركية بقيت متمسكة بخطابها الداعي إلى التروي بشأن الحكم على دور المراقبين، بزعم أن العدد لم يكتمل بعد وأن العملية لا تزال في بدايتها. مع أن هناك علامات استفهام حول قلة العدد غير الكافي أصلاً، كما حول التباطؤ في نشر المراقبين، المتوقع أن لا ينتهي قبل آخر أبريل الجاري أو بداية الشهر القادم. ولو أن الاعتقاد السائد في واشنطن بأن وجودهم بالكامل لن يقدم أو يؤخر، في ظلّ المعطيات القائمة. على الأقل خلال فترة التسعين يوماً التي حدّدها القرار للمراقبة الدولية.
عودة ولكن
وحسب ما قاله مسؤول في الخارجية الأميركية لـ«البيان»: «يمكن العودة إلى المجلس قبل نهاية هذه الفترة لو تدهورت الأوضاع». لكن العودة شيء وصدور قرار أشدّ شيء آخر غير وارد، خلال هذه المدة، فالفيتو الروسي بالمرصاد.
واللافت أن المسؤولين الأميركيين لا ينفكون عن التنويه «بتطور» موقف موسكو، ولو أنهم يشيرون بصورة عابرة، إلى الممانعة الروسية في مجلس الأمن، وكأن هناك تسليماً بالدور الروسي، أو اضطراراً للتعاون معه، في ظلّ الظروف الأميركية الصعبة في الوقت الراهن، من أفغانستان إلى هموم الداخل المالية والاقتصادية؛ فضلاً عن الانشغال بالانتخابات.
وعلاوة على ذلك، لا الرأي العام الأميركي يهضم التدخل بأي شكل ولا الكونغرس، بالرغم من أجواء النفور تجاه سوريا. ما عدا بعض القوى المحافظة في مجلس الشيوخ التي تدعو إلى القيام بعمل عسكري ما على غرار ما جرى في ليبيا. ولكن خطابها انتخابي لإحراج أوباما وتسجيل نقطة ضدّه في السياسة الخارجية، لا أكثر.
ضرورة روسيا
في ضوء ذلك، هناك اعتقاد لدى بعض الدوائر المعنية بأمور الشرق الأوسط بأن واشنطن «بحاجة إلى روسيا لتفكيك نظام الأسد ».. المفتاح في موسكو وطريق الخروج من الأزمة يمرّ فيها.
ولمثل هذه القراءة ما يشفع بها. فقد لوحظ في الآونة الأخيرة أن كافة الخيارات الأخرى التي طرحت، تعاملت معها الإدارة ببرودة. وبالنهاية سحبت من التداول، «الشريط الفاصل» على الحدود التركية، ثم «الممر للمساعدات الإنسانية»، وأيضاً موضوع تسليح المعارضة.
وتلا كل ذلك، التلويح «بالمادة الرابعة من ميثاق حلف الناتو» التي تمّ استحضارها إثر إطلاق نار من داخل الأراضي السورية عبر الحدود التركية، أدّى إلى سقوط قتيل وعدة جرحى. وهي تنصّ على أن الاعتداء على عضو في الحلف تركيا هو اعتداء على كافة اعضائه. لكن سرعان ما جرى التغاضي عنها، لأنها لا تحظى بالإجماع المطلوب.
في الواقع تم صرف النظر عن كل هذه الخيارات وحتى إشعار آخر. فواشنطن لا تعترض إذا أراد طرف ما تبني أحد هذه الخيارات. تتبرع بالدعم المعنوي لا غير. لكنها ليست في وارد المشاركة. ويقال إن مثل هذا الموقف جعل أنقرة تعدّ للعشرة قبل التورط بخيار الشريط الفاصل، كما ذكرت معلومات منسوبة إلى مصادر مطلعة، بأن الدعم الذي وعدت واشنطن بتوفيره للمعارضة، من أجهزة استكشاف واتصال واستطلاع لم تصل بعد إلى الجهة الموعودة.
لقد جاء قرار المراقبين نتيجة تقاطع مصالح دولية وليس سورية. وبهذا تمدّد نزيف الأزمة 90 يوماً على الأقل. مدة كافية لمأسسة الخراب والتمزيق، وهذا ثمن الانزلاق إلى التدويل.
