لا تزال رحى المعارك الضارية بين السودان ودولة جنوب السودان تدور، إذ قصفت الطائرات الحربية السودانية الشمالية موقعي باناكواش ولالوب النفطيين على حدود البلدين، فيما أعلن رئيس جنوب السودان سيلفاكير ميارديت أن الشمال أعلن الحرب على بلاده، في وقت اتهمت الخرطوم جارتها الجنوبية بزعزعة استقرارها. بالتزامن دانت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام بان كي مون القصف الجوي على مناطق الجنوب، داعياً الدولتين إلى وقف الأعمال العدائية وضمان سلامة المدنيين.
واتهم رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت أمس نظام الخرطوم «بإعلان الحرب على بلاده».
وقال ميارديت، في تصريحات خلال لقاء في بكين مع الرئيس الصيني هو جينتاو، إن زيارته الصين «تأتي في وقت حرج بالنسبة إلى جمهورية جنوب السودان لأن الخرطوم أعلن الحرب على الجنوب».
على الصعيد ذاته، وصف جيش جنوب السودان الهجوم الذي شنته طائرات حربية سودانية على مدينة بانتيو على حدود البلدين بأنه «إعلان حرب». وقال الناطق باسم جيش الجنوب فيليب اجوير في تصريحات لوكالة «رويترز» إن «البشير يعلن الحرب على جنوب السودان، إنه شيء واضح».
زعزعة استقرار
على الصعيد ذاته، اتهم السودان دولة الجنوب «بزعزعة استقرار الشمال عبر دعم المتمردين في السودان»، مؤكداً أن «مناشدات حكومة السودان، ومحاولات المجتمع الدولي المتكررة لإثناء دولة جنوب السودان عن وقف سلوكها العدواني، باءت جميعها بالفشل بسبب الإصرار الأعمى على زعزعة استقرار وأمن السودان». وأشار البيان، الذي نشرته وكالة السودان للأنباء الرسمية، إلى «الحق الشرعي للسودان وللقوات المسلحة، في الدفاع عن النفس وتعقب المعتدين أينما كانوا».
غارات على الحدود
وفي امتداد للصراع العسكري العنيف على حدودهما، قصف الطيران السوداني مساء أول من أمس عدداً من المواقع النفطية الحدودية في جنوب السودان، وفقاً لما أعلنه حاكم ولاية الوحدة الجنوبية تعبان دينق، الذي أوضح أن الطائرات السودانية استهدفت بلدتي: باناكواش ولالوب الواقعتين داخل أراضي جنوب السودان، فضلاً عن مركز تشوين الحدودي، وهو منطقة متنازع عليها شهدت معارك ضارية بين قوات البلدين في الأيام الأخيرة.
وأضاف دينق أن عمليات القصف تواصلت حتى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، موضحاً أن «الضربات الجوية الأكثر عمقاً داخل الأراضي سجلت على بعد نحو 25 كيلومتراً من خط الجبهة».
وأردف دينق في تصريحات للصحافيين: «هناك جرحى تم إجلاؤهم إلى مستشفى بانتيو، بعضهم من المزارعين وآخرون من الجنود. باستثناء عمليات القصف الجوية ، فإن خط الجبهة هادئ في الوقت الراهن. وأكد أنه «لا يمكن أن نبقى تحت رحمة الطيران السوداني، إذا لم تبذل مساع سنعمد بالتأكيد إلى الرد، نحن جادون كثيراً في هذا الشأن ولا نمزح».
من جهته، أعلن مساعد رئيس أجهزة الاستخبارات في جنوب السودان أنه «تلقى معلومات تفيد أن الجيش السوداني يستعد لشن هجوم على بانتيو عاصمة ولاية الوحدة».
إدانة أممية
وعلى خلفية العنف المتصاعد بين البلدين، دانت الأمم المتحدة القصف الجوي المتواصل لمدينة بانتيو الحدودية كبرى مدن ولاية الوحدة الغنية بالنفط في دولة جنوب السودان، داعية دولتي السودان وجنوب السودان إلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة لضمان سلامة المدنيين.
ودعا الأمين العام بان كي مون الحكومة السودانية في بيان إلى وقف الأعمال العدائية فوراً، مؤكداً أنه «لا يوجد حل عسكري للخلافات بين السودان وجنوب السودان». ودعا مون رئيسي السودان عمر البشير، وجنوب السودان سيلفاكير إلى «وقف الانزلاق نحو مزيد من المواجهة، والعودة إلى الحوار على وجه السرعة».
من جهتها، قالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لجنوب السودان هيلدي جونسون إنه «يتعين وقف عمليات القصف التي تتم دون تمييز، لتسفر عن وقوع خسائر في أرواح المدنيين»، وذكّرت «أطراف الصراع بواجبهما بالالتزام بحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني واتخاذ جميع التدابير التي لا تلحق ضررا بالمدنيين وضمان سلامة منظمات الإغاثة الدولية وأفراد وأصول الأمم المتحدة».
..ويحاول العثور على إسناد في الصين
انفصل جنوب السودان عن الشمال في العام 2011 بموجب اتفاق سلام شامل أنهى أطول حروب التاريخ الإنساني، لكن التناحر الذي تعيشه الدولتان لم تثر ذعر الغرب الذي رعا الاتفاق ومارس ضغوطا على طرفيه للتوقيع فحسب بل أدخل العملاق الآسيوي الصين في مآزق عدة باعتبار استثماراتها الضخمة في «السودانين» ونهمها الكبير للطاقة وتاريخها الطويل في تفضيل الحياد.
ولعل موقف بكين المتوازن يدخل مرحلة مهمة ومفصلية في الوقت ذاته، في خضم الزيارة التي يقوم رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت إلى الصين حالياً، سعياً على ما يبدو لحشد الدعم السياسي والاقتصادي أيضاً وسط التوتر المتصاعد من الجار الشمالي، متأبطاً ورقة ربما يساعده في مهامه الثقيلة، إذ يرى كير أن إصداره الأوامر لقواته بالانسحاب من هجليج نقطة يمكن أن تساعده في حشد الدعم السياسي المطلوب.
أما الصين والتي تفضل على الدوام تجنب اتخاذ مواقف في صراعات سيما إن كانت بعيدة عنها، بيد أن التوسع الاقتصادي للعملاق الصيني واستثماراتها في قطاع النفط في البلدين على حد سواء، أجبرها على اتخاذ موقف من الصراع بين الشطرين، أو على الأقل هذا ما تريده جوبا.
استدراج
ويقول محلل كبير في شؤون السودان وجنوب السودان في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات زاك فيرتين: «رأينا كيف تستدرج الصين إلى ساحة الصراع لأن كل طرف يحاول جذب المصالح الصينية لتتماشى مع مصالحه، الصين لا تريد الخوض كثيرا في أي اتجاه، وتجازف بالإضرار بعلاقاتها مع أي من شركائها». ويضيف أن «هذه هي الحقيقة التي على الصين مجابهتها مع تنامي وجودها على الساحة العالمية».
ويشير فيرتين إلى أن «السودان وجنوب السودان لم يعدا من العناصر الحيوية في استراتيجية الطاقة بشكل عام في الصين».
ويضيف الخبير في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات أن السودان بشماله وجنوبه «يبقى قطعة مهمة في اللعبة، ليس بالضرورة في ما يتعلق بصافي الواردات، لكن الأهم هو أن الصينيين يستثمرون بكثافة هناك في قطاع النفط وفي خلق فرص جديدة في البنية التحتية، الأمر يتساوى بالنسبة لهذه الفرص وواردات النفط الخام».
استغلال نفوذ
ويرى الباحث في الشؤون الإفريقية في الاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية لي شين فينغ أن الرحلة «ربما تأتي في وقت جيد إذا استطاعت الصين ممارسة بعض نفوذها على الجنوب والدفع من أجل السلام، يمكن للصين أن تقول للجنوب إنه إذا لم يحدث سلام فلن تكون هناك تنمية». وظل دعم الصين القديم للخرطوم بما في ذلك دورها كمورد للأسلحة شوكة في حلق الجنوب لكن بكين وسعت علاقاتها مع جنوب السودان الذي يتوق لضخ نفطه. ويمكن للصين أن تشيد البنية التحتية الملحة للغاية في جنوب السودان.
وقال لي وي جيان، الذي يدرس السياسة الخارجية الصينية في معاهد شنغهاي للدراسات الدولية، إن بلاده «تدرك أن نفوذها في البلدين، يضعها في موقف فريد لكنها تتردد في اعتبار نفسها الوسيط الأساسي»، مضيفاً أن جنوب السودان يريد من الصين استخدام هذا النفوذ لمساعدته، وأن بكين «ستبذل جهودا بالطبع لكن هذا جدال قديم ولن يتم حله ببساطة نتيجة لتدخل الصين».
قلة نفوذ
ويقول محللون إن «بكين في وضع غير مريح لأن السودان وجنوب السودان وكذلك الولايات المتحدة تدعوها لاستخدام نفوذها الذي تقول الصين إنه يأخذ أكبر من حجمه.
