لا تزال الساحة في السودان بشطيره حبلى بالتطورات، ميدانية كانت أو سياسية، إذ لم تفلح نهاية أزمة هجليج في نزع فتيل التوتر القائم. ففيما أعلن الرئيس السوداني خلال زيارته المنطقة «ألا تفاوض مع الجنوب».. قصفت طائرات الخرطوم مدينة بانتيو مجدداً، في وقت استمرت الاتهامات المتبادلة بشن هجمات، وأعلنت الخرطوم مقتل 1200 جندي جنوبي خلال معارك استعادة هجليج. وبالتزامن تصاعدت وتيرة القلق الدولي من تصاعد حدة الصراع، إذ أعربت واشنطن والاتحاد الإفريقي عن بالغ القلق، مطالبين بالوقف الفوري للعنف والعودة لطاولة المفاوضات، وهددت أوروبا بفرض عقوبات.
وأعلن الرئيس السوداني عمر البشير الذي وصل إلى منطقة هجليج في زيارة تفقدية أمس، إنه «لن يتفاوض مع جنوب السودان»، مردفاً «لا تفاوض مع هؤلاء».
وقال البشير، خلال مخاطبته قوات بلاده في المنطقة في ثكنة عسكرية قرب الحقل النفطي، إنه «لن يتفاوض مع الجنوب لأنها لا تفهم سوى لغة البنادق والذخيرة»، مشيراً إلى أن «العداء ليس مع المواطن الجنوبي، لكن مع الحركة الشعبية التي أساءت للعلاقات التاريخية بين الشعبين، سنقاتلهم حتى يتحرر المواطن الجنوبي من الحركة الشعبية».
قصف شمالي
وفي تصعيد جديد للعمليات العسكرية بينهما، قصفت طائرات حربية سودانية مجددا مدينة بانتيو الحدودية في جنوب السودان وكبرى مدن ولاية الوحدة النفطية موقعة قتيلا على الأقل، حسب مراسلة «فرانس برس» في جنوب السودان، فيما أكد شهود عيان ومسؤولون عسكريون أن «ثلاثة أشخاص قتلوا على الأقل».
وأضافت المصادر أن «انفجارات عنيفة هزّت المكان، إذ استهدفت الطائرات جسرا استراتيجيا وأحد الأسواق، ما أدى إلى مقتل طفل على الأقل تفحمت جثته في الحال».
وقال المدير المساعد للاستخبارات في جنوب السودان ماك بول: «لقد تعرض الجسر والسوق للقصف، وأرسلنا فريقا للتحقق من عدد القتلى في هذه الهجمات»، مضيفاً أن «الحصيلة المؤقتة هي مقتل طفل وإصابة ثلاثة مدنيين بجروح، مردفاً «انه تصعيد خطير وانتهاك لأراضي جنوب السودان، برأيي أنه استفزاز واضح». وتصاعدت سحب الدخان من السوق الذي اندلعت فيه النيران بينما راح المدنيون المذعورون يركضون في أرجائه.
على الصعيد ذاته، نفى الناطق باسم الجيش السوداني الصوارمي خالد قصف قواته بانتيو قائلاً: «نحن نرفض الاتهام بقصف بانتيو، لا علاقة لنا بما يدور في ولاية الوحدة بجنوب السودان ولم نقصف أي منطقة في جنوب السودان».
قصف الألسنة
واستمرت حرب كلامية على خط مواز للتصعيد العسكري بين البلدين، إذ اتهم كلٌ من السودان وجنوب السودان الآخر بشن هجمات جديدة علي أراضيه، في وقت لم يبد فيه اي من الطرفين علامة على الرضوخ للضغوط العالمية والعودة لطاولة المفاوضات.
وقالت حكومة جنوب السودان إن «القوات السودانية هاجمت قرى على عمق عشرة كيلومترات على جانبه من الحدود، وشنت غارات جوية على سلسلة من المناطق من بينها ولاية الوحدة المنتجة للنفط بجنوب السودان».
وقال نائب مدير المخابرات العسكرية في جنوب السودان ماك بول في تصريحات صحافية إن «جنوب السودان يعزز قواته لأنه يرى أن الجيش السوداني يعزز قواته أيضا».. في حين نفى السودان اتهامات الجنوب، وأنه صدّ هجوما «ضخما» شنه مقاتلو الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ قطاع الشمال في ولاية جنوب كردفان على الجانب السوداني من الحدود.
1200 قتيل
في الوقت ذاته، أعلن السودان أن « مئات الجنود السودانيين الجنوبيين قتلوا في المعارك الدائرة للسيطرة على هجليج النفطية على الحدود مع جنوب السودان».
وأعلن قائد قوات السودان في منطقة هجليج كمال معروف أمس، أن «قرابة 1200 جندي جنوب سوداني قتلوا في المواجهات للسيطرة على هذه المنطقة النفطية»، دون ان يعطي حصيلة للخسائر في صفوف قواته.
قلق دولي
وفي ردود الأفعال الدولية على تصاعد النزاع، دعت واشنطن على لسان الناطق باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند السودان إلى «وقف عمليات القصف الجوي فورا» على الجنوب، مطالبة طرفي النزاع العودة إلى طاولة المحادثات. أضافت نولاند، «على السودان أن يوقف فورا عمليات القصف الجوية، ونيران المدفعية على جنوب السودان»، مشددة على ضرورة أن تتوصل الخرطوم وجوبا «إلى اتفاق لوضع حد على الفور وبدون شروط للأعمال العسكرية، والدخول مجددا في مفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقي».
كما فرضت الأزمة المندلعة نفسها على اجتماع وزراء الاتحاد الأوربي في لوكسمبورغ، إذ هدد الاتحاد بفرض عقوبات، حال استمرار حكومتي السودان وجنوب السودان عدم الوفاء بالتزاماتهما، وأعربوا عن بالغ القلق بشأن تصاعد العنف بين السودان وجنوب السودان، داعياً الحكومتين إلى «وقف الهجمات فوراً وإنشاء آلية مراقبة للحدود من دون أي تأخير». على الصعيد ذاته، دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي جان بينغ دولتي السودان وجنوب السودان إلى «وقف القتال واستئناف المفاوضات بينهما»، مشيداً بمجموعة «الإيغاد» الخاصة بشرق أفريقيا التي يرأسها حاليا رئيس الوزراء الاثيوبي ميلس زيناوي، لاستمرار مشاركتها ودعمها للجهود الجارية التي تبذلها اللجنة لنزع فتيل الأزمة.
