توقف قصف القوات الموالية للنظام السوري على مدينة حمص للمرة الأولى منذ سريان الهدنة في 12 أبريل الجاري، بعد وصول المراقبين الأمميّين، إلا أن التقاط حمص لأنفاسها لم ينعكس على بقية المدن، حيث انتقل التصعيد العسكري إلى محافظة درعا التي اقتحمت فيها القوات النظامية مدينة الكرك، وشنّت حملة مداهمات في ريف درعا، فيما سجلت العاصمة دمشق تطوراً لافتاً بتفجير قوي «غامض» في مطار المزة العسكري. وأفاد ناشطون ولجان حقوقية بمقتل 21 شخصاً في العمليات العسكرية التي نفذتها قوات النظام في معاقل الثورة.
قطع الاتصالات
وفي تفاصيل المشهد الميداني، قال الناشط في تنسيقيات حمص القديمة عمر التلاوي في اتصال عبر «سكايب» مع وكالة «فرانس برس» إن أحياء حمص شهدت صباح أمس «هدوءاً وتوقفاً للقصف في ظل انقطاع تام للكهرباء والاتصالات».
ورأى التلاوي أن هذا الهدوء ربما يدل على موعد زيارة المراقبين الدوليين إلى حمص.
وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن في اتصال مع «فرانس برس» إن «هناك هدوءاً كاملاً في حمص (حتى فترة الظهيرة) في ظل معلومات عن توجه المراقبين إلى حمص». لكن ناشطين في حمص قالوا إن القصف سيستأنف بمجرد أن يغادر المراقبون المنطقة.. في حين قال وليد الفارس، وهو ناشط معارض يعيش في حمص، لوكالة «رويترز» إنه من الواضح تماماً أن الحكومة السورية يمكنها وقف العنف متى أرادت، وفي أي وقت تشاء في البلاد.
وشهدت أحياء حمص وريفها في الأيام السابقة قصفاً من القوات النظامية رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وفي السياق، قال الناشط عمر الحمصي في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية إن العشرات من قذائف الهاون سقطت على مناطق القصير في ريف حمص من دون وقوع ضحايا، لكنها أدت إلى تدمير ما لا يقل عن ثلاثة منازل.
انفجار غامض
إلى ذلك، وفي تطور لافت على صعيد التطورات الأمنية في العاصمة دمشق، سمع دوي انفجار قوي في مطار المزة العسكري، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان وناشطون. وقال المرصد في بيان: «سمع صوت انفجار شديد في مطار المزة العسكري»، من دون مزيد من التفاصيل. وقال ساكن إنه سمع دوي انفجار هائل قرب مطار المزة. وقال الساكن الذي يعيش في حي المزة بالمدينة قرب المطار: سمعت دوي انفجار هائل ورأيت الدخان يتصاعد. وتابع أنه لا يعرف سبب الانفجار. وقالت قناة تلفزيون الإخبارية المؤيدة للحكومة إنه لم يقع إطلاق للنار في المنطقة، ونفت تقريراً لقناة الجزيرة، لكنها لم تؤكد أو تنف وقوع انفجار.
وأفاد ناشطون في العاصمة السورية لـ«فرانس برس» بأن القوات النظامية عمدت بعد وقوع الانفجار إلى قطع الطريق المؤدي إلى دمشق من جانب مطار المزة في ظل استنفار أمني واعتلاء القناصة أسطح المباني المجاورة. وشهدت دمشق في الأسابيع الماضية اشتباكات متفرقة بين القوات النظامية ومنشقين وقع معظمها ليلاً، قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وقال نشطاء في العاصمة دمشق لـ (د.ب.أ) إن منطقة الغبون شهدت إطلاقاً كثيفاً لنيران المدفعية الثقيلة، وموجة من الاعتقالات فجر أمس نفذتها قوات الأمن.
اقتحام الكرك
وفي محافظة درعا، اقتحمت القوات الموالية للنظام مدينة الكرك الشرقي. وقال ناشطون إنه شارك في الاقتحام 20 دبابة ومدرعة وعدد من مدافع الشيلكا، وأكثر من 70 حافلة محملة بالقوات الأمنية وميليشيا «الشبيحة»، والتي بدأت بالقصف العشوائي وتنفيذ حملة دهم واعتقالات واسعة، بحسب لجان التنسيق المحلية.
كما نفذت القوات النظامية حملة مداهمات في قرية حيط، وفقاً للمرصد. وأفاد ناشطون في تنسيقيات درعا لـ«فرانس برس» بتنفيذ قوات الأمن عمليات اقتحام في المسيفرة وسحم الجولان في ظل انقطاع الاتصالات عن مناطقهم منذ ما بعد منتصف الليلة قبل الماضية.
الأسد يستفيد من الهدنة الهشّة في إعادة تنظيم قواته
ما كادت أول مجموعة من المراقبين التابعين للأمم المتحدة تطأ أقدامها على الاراضي السورية في الاسبوع الماضي، حتى بدأ خصوم بشار الأسد يتناقشون في احتمال فشل المهمة ويحذرون من اجراءات عقابية ضد الرئيس السوري.
وصرح جوليان بارنز-ديسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بقوله: «رغم أنهم متشائمون بشأن احتمال النجاح، فإنه يوجد إجماع متنام على أن الوسيلة الوحيدة الأخرى للإطاحة بالأسد في المدى القصير هي تدخل عسكري، تعارضه بقوة معظم الأطراف». وأضاف: «لست مقتنعاً بأن لدى الولايات المتحدة واوروبا الاستعداد لإلغاء هذه المهمة واعلان فشل خطة أنان بالكامل دون وجود مسار بديل».
ووصف اجتماع «أصدقاء سوريا»، الذي عقد في باريس الخميس الماضي، خطة أنان للسلام بأنها «أمل أخير» لتجنب اندلاع حرب أهلية شاملة بعد 13 شهرا من الاضطرابات التي تقول الامم المتحدة: إن قوات الاسد قتلت خلالها 9000 شخص على الأقل.
ودعت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون مجلس الامن التابع للامم المتحدة لإعداد قرار بعقوبات تشدد الضغوط على الاسد كي يلتزم بوقف اطلاق النار ويوافق على إرسال بعثة مراقبة كافية. لكنها قالت: إن أي قرار مقترح لفرض عقوبات في هذه المرحلة ستعرقله على الارجح موسكو، التي لها علاقات عسكرية وثيقة مع حكومة الاسد والتي استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشروعي قرارين في السابق ضد دمشق مع الصين.
وقال بارنز-ديسي: «إنني متشكك فيما اذا كانت توجد خطة قابلة للتطبيق من حيث عرض ذلك على مجلس الامن». وأضاف: «المعارضة الروسية ستكون عقبة أمام ذلك».
وبينما تهدف التحذيرات الغربية والعربية الى مواصلة الضغوط على الأسد كي يلتزم بوقف إطلاق النار، فإن سيل التصريحات المتشائمة ربما يقوض البعثة قبل ان يكتمل تشكيلها وتشرع في عملها.
وقال الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي) شاشانك جوشي: إنه «في ضوء الغياب الكامل لأي رغبة من جانب الولايات المتحدة في التدخل وعدم استعداد تركيا للتدخل ما لم يتم ذلك بقيادة اميركية واوروبية والمؤشرات الواضحة على موقف السعودية مع نقص أي متابعة حقيقية، فإنني لا أرى الهدف الاستراتيجي لتقويض اتفاق أنان».
وتقدم الهدنة فرصة للاسد لإعادة تجميع الجيش وقوات الأمن بعد أسابيع من الهجمات ضد معاقل المعارضة في دمشق وحمص وإدلب ودرعا. ومع التسبب في معاناة كبيرة لسكان مستهدفين، فان تلك الهجمات ربما استنفدت ايضا نفسياً وحداته الخاصة. وقال جوشي: «إنها تضعف معنويا القيام بعمليات ضد المعارضة وقصف المناطق العمرانية ونشر قوات بعيدا عن ثكناتها». وتابع: «إنها تضيف ضغوطا هائلة على القوات المسلحة.
ولديه عدد محدود جدا من الوحدات الخاصة المتاحة ولذلك توجد فوائد لاستراتيجيته العسكرية من وقف اطلاق النار». لكن توقف اراقة الدماء سيوفر ايضا فرصة لخصوم الاسد ويسمح للمجموعات المسلحة بتعزيز وتشجيع المحتجين على العودة الى الشوارع. وقال جوشي: «أعتقد (ان الاسد) لديه كل اهتمام ببعثة المراقبة لكنه يهتم ايضا بضمان الا تصبح البعثة كبيرة بدرجة كبيرة ولها قدرة كبيرة على التنقل أو أن تصبح فعالة بدرجة كبيرة».
