يعتقد الكثير من السياسة العراقيين أن كركوك لم تعد تحتل الأولوية لدى الأحزاب القومية الكردية، التي كانت تعتبرها «قضية مصيرية» أو «قدس الأكراد»، لأسباب عدة في مقدمتها المشهد السياسي الذي أخذ يفرز تفاهمات جديدة وتراجع موقعها الاقتصادي بعد الاكتشافات النفطية في إقليم كردستان واحتمالية قرب نضوب أو شح نفط كركوك، إضافة إلى التعقيدات المتراكمة في هذه القضية التي جعلت وضعها أمراً واقعاً، تمليه طبيعة التركيبة السكانية في المحافظة وضرورة التعايش السلمي بين مكوناتها الأساسية «العرب والأكراد والتركمان، إضافة إلى الأقليات الأخرى».

والى جانب ذلك تأتي القضايا المطروحة داخل البيت الكردي، حيث أسفرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن فوز حزب البارزاني بمقعد واحد فقط، من القائمة الكردستانية التي تقاسمت بمجملها، مناصفة، المقاعد البرلمانية مع القائمة العراقية.

 

تاريخ وجغرافية

وبحسب مراقبين، فإن الخلاف حول كركوك يدور في محورين هما الواقع التاريخي والواقع الحالي الذي يقال إنه تعرض لتغيير ديموغرافي.

ولم يوجد في التاريخ كله ما يشير إلى وجود حدود معلومة لدولة كردستان.

وفي الواقع الحالي، لا أحد ينكر حدوث تغيير ديموغرافي وتهجير للسكان الأكراد الأصليين في العهود السابقة وحالياً أيضاً. إلا أن مسألة إعادة من سكنوا كركوك قبل 40 أو 50 عاماً، لأسباب وظروف شتى، إلى مناطقهم الأولى تعد أمراً صعباً، لأن غالبية الذين قدموا في تلك الحقب لم يعودوا على قيد الحياة وربما بقي أبناؤهم وأحفادهم الذين عاشوا وترعرعوا وتزوجوا وأنجبوا في المكان الجديد.

 

تغيير ديموغرافي

وبحسب متخصصين في الشؤون الديموغرافية، فإن التغيير الذي حصل في كركوك يعد من المستويات المتوسطة، ولاسيما قياساً إلى بغداد، التي تسكنها الآن غالبية من المحافظات الجنوبية، وغيرها من المحافظات، بينما لا تزيد نسبة سكان بغداد، من الأصول البغدادية، على 10 في المئة.

ويبدو أن الولايات المتحدة أدركت هذه الحقائق في وقت مبكر عندما لم تدخل كركوك ضمن إطار المنطقة الكردية المحمية بقرارات دولية العام 1991، أي إقليم كردستان. كما منع قانون إدارة الدولة في عهد الحاكم المدني الأميركي، ضم كركوك إلــى أي إقليـــم.

ومع كل ذلك، أبقت واشنطن عقدة كركوك من دون حل، شأنها شأن العقد الأخرى، لتبقى مفاتيح الأزمات في أيديهم.

 

قنبلة موقوتة

ويرى مسؤولون محليون في كركوك أن المحافظة «قنبلة موقوتة.. لكن لن تنفجر أبداً» على عكس ما تحدث به محللون عن توقع انفجارها بعد الانسحاب العسكري الأميركي من البلاد.

ويقول عضو المجلس السياسي العربي في كركوك الشيخ حسين صالح: «أتمنى ألا تكون كركوك قنبلة سياسية موقوتة، ما دام هناك عقلاء من كل الأطياف، الكرد والعرب والتركمان وحتى المسيحيين، ويتعاملون مع مشاكل كركوك بعقلانية».

ويعترف صالح بأن كركوك قنبلة موقوتة، ويستدرك قائلاً: «لكن القنبلة الموقوتة لم تنفجر في كركوك، وإنما انفجرت في البصرة بين الشيعة والشيعة، وفي النجف بين الشيعة والشيعة والأطراف الأخرى، وفي بغداد بين السنة والشيعة، وفي الرمادي بين السنة والسنة».

كما يقول عضو مجلس كركوك عن المكون التركماني تحسين كهية: «اعتقد أن المسؤولين المحليين هم أكثر إدراكاً ووعياً بضرورة الحوار واللقاءات المستمرة لحل المشاكل بالخيارات السلمية».

ويشير إلى أن «ملف كركوك برغم تعقيداته، إلا أن هناك تفاهماً بين المكونات وبين القادة الأمنيين والسياسيين المحليين فـي كركــوك». المادة 140

 

مع مأزق المادة 140، التي لم يتم البت بها لحد الآن، تطرح الكتل السياسية المعارضة لهذه المادة فكرة أنها مخالفة لنص الدستور الذي يسمح للعراقي بالإقامة في أي مكان من العراق، بينما تفرض تطبيقات «التطبيع» تهجير آلاف العائلات التي سكنت كركوك منذ أكثر من 40 عاماً بحجة أنهم مستقدمون لأغراض التغيير الديموغرافـــي.

وهم حتى إن كانوا كذلك، فإن أبناءهم وأحفادهم نشأوا وترعرعوا في هذه البقعة التي يجري العمل على ترحيلهم منها. ويرى الخبراء القانونيون أنه «نظراً لعدم إتمام مقومات المادة 140 من تطبيع وإحصاء، ونظراً لمعرفة الجميع بأن تطبيق هذين الشرطين، متبوعاً بإجراء استفتاء، لا يمكن عملياً في الوقت الحاضر.

لذا فإن المادة تعد متوقفة، ما لم يتم إجراء تعديل دستوري، وحيث إن تعديل مواد الدستور لا يمكن أن يتم بقرار من مجلس الوزراء أو حتى مجلس النواب، بل باستفتاء شعبي، لأن ما أقرّ باستفتاء لا يلغى ولا يعدل إلا باستفتاء، ونظراً لاستحالة إجراء مثل هذا التعديل في الوقت الراهن، وقبل البدء بالنظر في كامل التعديلات الدستورية، فإن هذا الحكم يسقط بحلول الأجل».