بعد مرور أكثر من 15 شهراً على نجاح «ثورة الياسمين» في تونس والتي أسقطت نظام زين العابدين بن علي الذي استحوذ على الحكم منذ العام 1987 لايزال أمام التونسيين تحديات كبيرة حيث لم تتضح بعد ملامح الخريطة السياسية والتي لا يزال يشوبها انقسام، ففي حين يصر البعض على إقصاء كل من له علاقة بالحزب المنحل، التجمع الدستوري الديمقراطي، إلى جانب أنصار الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أو ما يطلق عليهم البورقيبيون يصر فريق آخر على ضرورة إشراك هؤلاء من الذين لم تثبت في حقهم أي جرائم أو تعدٍّ على حقوق التونسيين.
وتقول الهيئة التأسيسية لحركة النهضة، إن حماية الثورة «مهمة لم تكتمل بعد» و إن «ثورتنا لا تزال هدفا للالتفاف عليها وتغيير مسارها».
ودعت الهيئة في بيان الشعب التونسي بكل قواه الوطنية إلى «التوحد من أجل تحقيق أهداف الثورة والحذر من محاولات تغيير طبيعة المرحلة وتكريس حالة من الاستقطاب الإيديولوجي»، محذرة مما أسمته «عودة مشاريع وأجندات ورموز تنتمي إلى منظومة الاستبداد والفساد».
يأتي ذلك في وقت تسري أنباء عن الإعداد لمشروع قرار «اجتثاث» لكل من كانوا ينتمون للحزب الحاكم في نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وسابقه نظام الحبيب بورقيبة ومنعهم من ممارسة العمل السياسي والترشح للانتخابات من أجل قطع الطريق أمام «البورقيبيين» و«الدستوريين» كونهما النقيض التاريخي والسياسي والفكري للحركة الإسلامية الحاكمة.
وتأكيدا لهذا التوجه، دعا بيان الهيئة التأسيسية لحركة النهضة أعضاء المجلس التأسيسي إلى «تحمل مسؤولياتهم التاريخية في التصدي لكل محاولات الالتفاف واستصدار قانون يجرم عودة التجمع المنحل إلى الحياة السياسية ودعم المبادرات الهادفة إلى ذلك»، ما يشير بوضوح إلى اتجاه نحو التصعيد بين الطرفين السياسيين الأكثر حضورا وتأثيرا وفاعلية في الشارع التونسي وهما التيار الإسلامي الذي تتزعمه حركة «النهضة» والتيار الدستوري والبورقيبي الذي ينفي ارتباطه بنظام بن علي ويعتبر نفسه ضحية من ضحاياه و ليس فاعلا في منظومة الفساد والاستبداد.
مجالس الثورة
في هذه الأجواء، تقوم حركة النهضة بتفعيل ما يسمى بمجالس حماية الثورة واللجان الثورية المحلية والجهوية التابعة لها بهدف محاصرة الناشطين السياسيين ممن يتبنون المرجعيات البورقيبية والدستورية.
وانطلقت فكرة اجتثاث الدستوريين والبورقيبيين بعد اجتماعهم الكبير في مدينة المنستير الساحلية مسقط رأس بورقيبة ، والذي أشرف عليه رئيس الحكومة الانتقالية السابق الباجي قايد السبسي وحضره أكثر من 20 ألف من أنصار الفكر البورقيبي الذي لا يزال يجد صدى واسعا لدى النخب الحداثية والنساء والشباب.
صفارة إنذار
من جهتهم، رأى أطراف من الترويكا الحاكمة أن اجتماع المنستير يوم 25 مارس الماضي أطلق صفارة الإنذار في وجه الزعماء الجدد، إذ أكد أن الحبيب بورقيبة الأب الروحي والمؤسس للدولة التونسية الحديثة لا يزال يحظى بمكانة مهمة لدى التونسيين، نظرا لطبيعة السياسة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي اعتمدها والتي بناها على أسس التعليم وتحرير المرأة والانفتاح على الغرب ومدنية الدولة والقوانين.
دعوة اللاتهميش
وفي المقابل، أعرب زعيم تيار العريضة الشعبية الهاشمي الحامدي عن استعداده لضم أنصار بورقيبة ومن كانوا ينتمون إلى الحزب الحاكم المنحل «التجمع الدستوري الديمقراطي» إلى تياره. وقال إن «تدابير الإقصاء مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان وتذكر بتجارب مؤلمة طبقت في بلدان المغرب العربي وقادت إلى اندلاع حروب أهلية».
ودعا الحكومة إلى أن تترك للشعب التونسي حرية اتخاذ القرار في من يمثله في الانتخابات المقبلة والتخلي عن «النزعة الاقصائية والشمولية والتسلطية»، مؤكداً أن الدستوريين هم من ساهموا في استقلال تونس.
وأكدت العريضة الشعبية خلال اجتماع لها الأسبوع الماضي رفضها التام لكل محاولات اجتثاث البورقيبيين والدستوريين ومن كانوا ينتمون إلى الحزب الحاكم المنحل ولم يتورطوا في جرائم الفساد أو في الإضرار بمصالح الوطن والمواطن.
مسلحون ليبيون يحتجزون عشرات التونسيين
احتجز مسلحون ليبيون ما بين 150 و164 تونسياً يعملون في منطقة الزاوية البترولية غربي العاصمة الليبية طرابلس، في وقت لم تعرف الدوافع، وأوضحت مصادر حقوقية تونسية أنهم «يعاملون معاملة حسنة». وأن السلطات التونسية شرعت في «اتصالات على أعلى مستوى من أجل الافراج عنهم في أسرع وقت».
وقال مدير الشؤون القنصلية بوزارة الخارجية التونسية سمير الجماعي إن مجموعة ليبية مسلحة اختطفت عشرات التونسيين على الطريق التي تربط بين معبر راس الجدير الحدودي المشترك بين تونس وليبيا، والعاصمة الليبية طرابلس.
وأضاف الجماعي في مؤتمر صحافي إن السلطات التونسية شرعت في إجراء «اتصالات على أعلى مستوى مع نظيرتها الليبية من أجل الافراج في أسرع وقت ممكن عن التونسيين المحتجزين» الذين قال إنهم «لم يتعرضوا لأي مكروه ويعاملون معاملة حسنة». وتابع المسؤول القول إن «سبب احتجاز التونسيين غير واضح».
بدورها، نقلت وكالة الأنباء التونسية عن رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الأسعد الجموسي في مدينة صفاقس (250 كيلومتراً جنوب العاصمة تونس) قوله إن «عملية احتجاز ما بين 150و164 تونسياً يأتي ردا على إيقاف الشرطة التونسية لأربعة ليبيين في مدينة بن قردان القريبة من الحدود الليبية في وقت سابق على خلفية حيازتهم لمواد مخدرة». يشار إلى أنه بعد الثورة الليبية تكررت عمليات الخطف على الحدود التونسية الليبية على يد مسلحين من الثوار، فيما تقول السلطات الليبية إنها بحاجة إلى أكثر من 200 ألف عامل من تونس للمساهمة في إعادة الإعمار فيما يحجم غالبية العمال التونسيين عن الاتجاه إلى ليبيا بسبب الانفلات الأمني.
