عادت التظاهرات إلى شارع بورقيبة في تونس، ولكن قمع الاحتجاجات عاد معها أيضا، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول أسلوب تعامل الحكومة الإسلامية مع التظاهرات، حيث شبهت أدواتها في قمع المسيرات بأدوات النظام السابق، ما أدى بها الى التراجع عن المواجهة ومنع حظر التظاهرات في هذا الشارع الرئيسي الذي كان مهد الثورات العربية، في حين قررت الحكومة أيضا فتح تحقيق في احداث عنف وقعت الاثنين الماضي في الشارع بين الشرطة ومتظاهرين.

وكانت كثافة الرموز الحاضرة في 9 ابريل الماضي اكبر من شارع الحبيب بورقيبة لان دلالاتها عبرت الزمان والمكان لتتصل بتاريخ تونس وحاضرها ومستقبلها. فقد ارتبط هذا الاسم بشهداء الثورة ضد الاستعمار وشهداء ثورة الياسمين ضد نظام زين العابدين بن علي.

 

مهد الثورة

وكان شارع الحبيب بورقيبة عرف أحداثا مهمة قبل الاستقلال منها تظاهرات 8 و9 ابريل 1958 التي نادت بحكومة تونسية وبرلمان. كما عرف في عهد الاستقلال انتفاضات العمال ومسيرات المعارضة ضد نظام الرئيس السابق الحبيب بورقيبة.

وفي بدايات يناير 2011، انطلق منه شرارة الغضب الذي اطاح بالنظام السابق امتداداً لثورة المناطق الداخلية وخاصة سيدي بوزيد والقصرين.

وفي يومي 13 و14، ارتفعت وتيرة الثورة من شارع بورقيبة الذي احتله الثوار الى ان تم الاعلان عن سقوط النظام بهروب بن علي. ثم اصبح شارع الحبيب بورقيبة ساحة للتظاهرات المؤيدة والمعارضة، الى ان شهد في 25 مارس الماضي احتكاكا بين الجماعات السلفية وفناني المسرح المحتفلين بعيد المسرح العالمي، ما دفع بوزير الداخلية علي العريض الى الاعلان في 28 مارس عن اغلاق الشارع في وجه التظاهرات والمسيرات.

وفي 11 ابريل، قرر مجلس وزاري إلغاء قرار وزير الداخلية وإعادة فتح الشارع امام المسيرات السلمية بعد احداث «الاثنين الاسود»

رمز تاريخي

ويعتبر الشارع اكبر وأعرق شوارع تونس وأطلق عليه البعض اسم «شانزيليزيه العرب»، فيما اسماه البعض «هايد بارك العرب» نسبة الى الشارع المشهور في لندن.

ومع بداية عهد الحماية في العام 1881، حمل اسم «شارع البحرية الفرنسية» نظرا لوجوده في قلب منطقة باب البحر بالعاصمة تونس.

وفي العام 1900، اطلق عليه اسم «شارع جول فيري» السياسي الفرنسي المعروف بمواقفه المناصرة للحركة التوسعية، حيث كان يتبنى مقولة ان الشعوب والاجناس السامية تتمتع بواجب الوصاية على الشعوب المتخلفة، وان شعوب العالم الاول مطالبة بالاضطلاع بدور تأهيل الشعوب الاخرى، وان مقولة «حرية.. مساواة.. اخوة» لا تصلح للشعوب المتخلفة.

 

بعد الاستقلال

وبعد استقلال تونس العام 1956، حمل الشارع الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة في حين كانت كل الشوارع الكبرى في المدن التونسية تحمل نفس الاسم.

وكان لبورقيبة تمثال في الشارع في مستوى التقاطع بينه وبين شارع محمد الخامس وهو على جواده في محاولة لتذكير الاجيال بعودته منتصراً في 1 يونيو 1955.

وعندما تولى الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الحكم العام 1987، امر بإزالة التمثال ونقله الى ميناء حلق الوادي، ولكن دون تغيير اسم الشارع رغم انه تم ازالة اسم بورقيبة من شوارع المدن الاخرى.

 

أبرز العلامات

ومن ابرز علامات الشارع المسرح البلدي بالعاصمة الذي تم افتتاحه في 20 نوفمبر 1902 تحت اسم «كازينو تونس»، والذي قام بتصميمه المعماري جان انيل رسبلندي وقامت بتنفيذه شركة مقاولات ايطالية متحدية الطبيعة الطينية للارض التي لا تساعد على انشاء الابنية الكبرى.

وكان المسرح يتسع في البداية لـ856 شخصا، ثم تم هدمه العام 1909 للرفع من طاقة استيعابه واعيد افتتاحه من جديد في 4 يناير 1911.

ويوجد في شارع بورقيبة وتحديدا بساحة الاستقلال تمثال العلامة عبد الرحمن بن خلدون الذي انجزه الرسام والنحات التونسي زبير التركي بطلب مباشر من بورقيبة تكريما لروح وفكر مؤسس علم الاجتماع.

موقع استراتيجي

يوجد في شارع الحبيب بورقيبة مقر وزارة الداخلية التونسية الذي كان قبل الاستقلال مقرا للمقيم العام الفرنسي. وكان الرئيس التونسي المنصف المرزوقي قال اثناء حملته الانتخابية انه سيعمل على نقل مقر وزارة الداخلية الى مكان آخر خارج الشارع الرئيسي. وكان الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي أمر بوضع ساعة عملاقة في ساحة 7 نوفمبر التي تربط بين شارع بورقيبة وشارعي محمد الخامس وجون جوراس، والتي اصبحت تحمل اسم ساحة 14 يناير.