لا تزال الثورة السورية عصية على أطر الحل، في ظل تنامي عمليات القتل والتنكيل بالمعارضة والقرى والمدن السورية الثائرة في حمص وحماة وإدلب وحلب، في وقت بات موقف المجتمع الدولي سلبيا «ينتظر الفرج»، مكتفياً بالتعبير عن أمنياته بوقف نزيف الدم الغزير، في حين يرجح العديد من المراقبين اقتراب سيناريو الحرب الأهلية في سوريا.

وتأتي مبادرة المبعوث الأممي- العربي المشترك كوفي أنان، والتي بموجبها ينبغي سحب المظاهر المسلحة من المدن السورية في تاريخ أقصاه اليوم الثلاثاء، لتضع الأزمة أمام أحد بالونات الاختبار الجديدة رغم ركاكتها على أرض الواقع، فيما تزداد حدة الآلة العسكرية للنظام السوري كأنه يشبع نفسه من التنكيل بمعارضيه قبل هدنة أنان.

الجامعة العربية

ويرى مراقبون أن الجامعة العربية تحولت إلى أداة للمناشدة لا أكثر، بل ورمت بدورها في يد الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي دفع المراقبين للتساؤل عن كيف لا يمكن إيقاف عنف النظام السوري إلا من خلال القوة الدولية الخشنة لفرض السلم والأمن الدوليين، مستغربين تدخل مجلس الأمن في العديد من نقاط التوتر الدموي في العالم، في حين يتغاضى عن فيضان الدم السوري.

ويذهب المراقبون للقول إن الأمم المتحدة باتت رغم بيانات الشجب والإدانة والنصيحة، تلعب دور الوسيط غير العادل، فلا دور حاسم لها في قضية ساوت فيها بين الضحية والجلاد. أما الجامعة العربية وعلى لسان نائب الأمين العام أحمد بن حلي، فاكتفت بإبداء تخوفها من تكرار فشل مهمة بعثة المراقبين العربية إلى سوريا، محذرة من «الانحدار نحو المجهول».

وكان لهذه المخاوف ما يغذيها لجهة أن الولايات المتحدة التقطت بالأقمار الصناعية صورًا تدل على انتشار القوات السورية في بعض المناطق، بما يلقي بمزيد من الشكوك على نوايا النظام بشأن الالتزام بخطة السلام. ووفق السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد، فإن الحكومة السورية اكتفت بتغيير مواقع القوات وتحركات المدرعات.

 

أمثلة دولية

أما أنان نفسه، فقال إن دمشق تخرق الضمانات لتنفيذ خطته لوقف العنف والبدء في حوار بين جميع الفرقاء، في وقت لا يزال الصبر الأممي والعربي على أشده، مع نزوح المئات من السوريين نحو الحدود السورية التركية وتدمير بشار الأسد قرى بأكملها. ويستغرب مراقبون هذا الصمت الدولي في وقت تم تجييشه لدى بروز تطورات بشأن الحركات الانفصالية في مالي، أو ضد حركة شباب المجاهدين في الصومال أو «طالبان» في أفغانستان.

ويشير المراقبون إلى أن إمكانيات الجيش الحر لا تؤهله لإسقاط النظام، وسط نأي الجامعة العربية عن تسليح المعارضة، على الرغم من استخدام النظام السوري المدفعية الثقيلة في معركته ضد شعبه يتراوح مداها ما بين 15 إلى 25 كيلومترًا، ليكون في مأمن من قبضة الجيش الحر.

 

حملات ومسرحية

من جانبه، يقول الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري لحماة وريفها خالد العلي في تصريح على قناة «أون تي في» الفضائية إن حملات النظام السوري في ريف حماة مثل بلدة اللطامي وكفرديتة «تستهدف النازحين وسكان تلك المناطق»، قائلاً إنه «لا يعتقد بل يجزم أن النظام لن ينفذ الهدنة وظهر ذلك في تصريح الحكومة السورية ونحن متأكدون من هذا منذ البداية؛ لأنهم لو أرادوا الانسحاب لما ارتكبوا مجازر في آخر المهلة».

وأضاف: «بعد ثلاثة عشر شهرًا لم يعد لدينا ثقة لا في المجتمع الدولي ولا الوسيط ولا حتى في الجامعة العربية ولا بالعرب أنفسهم، ولكن ثقتنا في الله عز وجل وبقدرة الشعب». ويردف: «نحن واثقون من أن شعبنا سيستمر في هذه الثورة، وواثقون أن هذا النظام لن يسحب ولا آلية واحدة وإنما هي مسرحية قد يتبعها كما فعل مع بعثة مراقبي الجامعة العربية، حيث كان ينقل الدبابات من مكان إلى آخر وكانت المجازر ترتكب على مرأى من العالم».

 

جيش وسيناريوهات

بدوره، يقول رئيس المركز السوري لدعم الديمقراطية في هولندا سيبيان حسن إن النظام السوري «يقوم بما من شأنه إفشال مبادرة أنان، وخلال الأيام الماضية قام بحملة غير مسبوقة من القتل والإعدامات والاعتقالات، ما من شأنه أن يضعف كل الجهود التي تسعى إلى وقف العنف». وعن جهود المجتمع الدولي وتسليح الجيش الحر، قال حسن إن «الجيش الحر بإمكانيته الموجودة لن يكون قادرًا على إسقاط النظام، وإذا تمكّن فستكون التضحيات كبيرة جدا»، مشيرًا إلى أن النظام «أثبت انه لن يتورع عن ارتكاب أي مجازر في حق الشعب السوري؛ لذلك فإن المجتمع الدولي مطالب بالتحرك بشكل عادل وبشكل فعال ومنطقي لإيقاف حالة النزيف في سوريا».

أما عن سيناريوهات المستقبل، فيقول حسن: «الرئيس السوري لن يوقف القمع والعنف؛ لأنه في حال وقف العنف، سينزل الملايين من الشعب السوري إلى الشوارع وسوف يسقط النظام بكل تأكيد».

أما السيناريو الوحيد المتوقع فهو «الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا والتي سيكون ضحاياها مئات الآلاف من الشعب السوري»، داعيًا المجتمع الدولي إلى «التحرك بشكل عاجل لوضح حلول عملية أكثر من المبادرة التي طرحها أنان». واختتم قائلاً إنه «رغم أنها مبادرة جيدة في مضمونها، إلا أن المشكلة تكمن في أن النظام السوري لا يمكن أن يلتزم بهذه المبادرات».