يعلن العراق رسميا انه ضد الحل العسكري في سوريا، وانه يقف على الحياد بين أطراف الصراع، وان كانت لهجته تغيرت في الآونة الأخيرة من خلال تأييد إجراء تغييرات جذرية في سوريا، من دون الإشارة إلى الحل العسكري، على الرغم من أن الحكومة الحالية والعملية السياسية في العراق برمتها جاءت من خلال الحل العسكري.

ويرى المراقبون أن الموقف العراقي الرسمي اتسم بالتذبذب تجاه سوريا منذ الاحتلال حتى الآن. فالحكومة تتهم سوريا بتصدير الإرهاب للعراق، لكن رئيس الوزراء نوري المالكي عقد خلال فترة حكومته السابقة اتفاقية إستراتيجية مع الرئيس السوري بشار الأسد، سرعان ما انقلب عليها فور عودته من سوريا، ثم عاد ليلتقي الأسد في دمشق خلال مساعيه لتشكيل حكومته الثانية، حيث تلتقي الحكومتان العراقية والسورية عند النقطة الطائفية، رغم الخلافات بينهما، فيما تشكل إيران القاسم المشترك بين الجانبين.

 

ثوار وإرهابيون

ويرى المراقبون السياسيون أن موقف العراق «المشتت» الآن، هو ليس موقف الحكومة «المشتتة» بدورها، والتي كانت تعتبر معظم ثوار اليوم في سوريا «إرهابيين»، وما زالت تعتبر صعود إسلاميين سنّة إلى الحكم يشكل خطرا عليها، إضافة إلى إضعاف جبهة الحليف الإيراني، وهذا الموقف يتبناه معظم التيار الإسلامي الشيعي في العراق.

وفي نفس الوقت، لا تستطيع الحكومة العراقية تجاهل الدور الأميركي والغربي، الذي له الفضل في تسلم التيار السياسي الشيعي الحكم في العراق. كما تعرف الحكومة أن معظم شخصياتها وقادتها العسكريين خاضعون بشكل أو بأخر للتأثير الأميركي. لذلك، ليس من المتوقع إبداء أي معارضة عملية في حال اتخاذ موقف عسكري غربي تجاه سوريا.

أجواء مفتوحة

وقد تكون هناك مواقف إعلامية، لكن الجميع يعرفون أن القوات الأميركية التي انسحبت من العراق لم تذهب بعيدا. كما أن الأجواء العراقية لا تزال مفتوحة وخالية من أجهزة الرصد والمراقبة إلا من قبل القوات الأميركية ويمكن اختراقها بموافقة الحكومة أو بدونها، إضافة إلى الرصيد الذي تركته تلك القوات على الأرض. ويلاحظ المراقبون انه في وقت كانت الحكومة العراقية تتهم النظام السوري بتصدير المسلحين إلى العراق، لم تبدِ أية ملاحظات حول الدور الإيراني الحليف للنظام السوري الذي يسمح.

كما تقول، بدخول أعداء الحكومة إلى العراق، ما يؤشر إلى الدور المزدوج الذي تلعبه الأطراف المختلفة على الأرض العراقية. فالولايات المتحدة وإيران تلتقيان في دعم العملية السياسية في العراق، وسوريا، حليفة إيران، متهمة بمحاربة هذه العملية. وكذلك، فإن الحكومة العراقية، حليفة طهران، تعادي النظام البعثي في سوريا، بينما الأطراف السياسية الشيعية تفتح مقارها في دمشق والعديد من المدن السورية بدعم من إيران.

 

غير منظور

يضاف إلى ذلك، أن سوريا، المتهمة بدعم المسلحين من العرب السنة، لم تتوانَ عن التعاون غير المنظور مع القوات الأميركية في عمليات مشتركة داخل الأراضي السورية وفي تعاون استخباري داخل الأراضي العراقية.

وتتهم أطراف في المقاومة العراقية الاستخبارات السورية بتزويد القوات الأميركية بقوائم ومعلومات عن المسلحين الذين تلقوا تدريبات في سوريا ومنها دخلوا إلى العراق، فتم القبض عليهم أو قتلهم، كما حصل في قضية أبي القعقاع. ويبدو التعاون الظاهري بين «المقاومة العراقية» والنظام السوري غير بعيد عن التنافس الأميركي الإيراني في العراق، ولكن هذا التعاون يأخذ منحى آخر عندما يدخل فيه البعد الطائفي وينقلب من كان يدعمهم النظام السوري عليه، وان كان هذا الانقلاب وجد مسبباته قبل الأزمة الأخيرة.

 

الكفة الراجحة

وفي الإطار اللوجستي، يوجد على الأرض العراقية من يدعم الخيار الأميركي من الطرف الشيعي الذي يرى أن «النظام السوري البعثي يعادي العملية السياسية، ولا يشرّف الشيعة دعمهم للمجازر في سوريا». وذلك هناك من الطرف السني من يرى في استهداف سوريا «قصّاً للأجنحة الإيرانية، على الرغم من تجربة تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها في ما أطلقت عليه الصحوة»، دون نسيان الجانب الكردي الذي يبحث عن «مكاسب قومية» في سوريا.