لا يبدو أن هناك انقساماً حقيقياً في القيادة الإسرائيلية تجاه التعامل مع الأزمة السورية والدعوات لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لكن الأمور تكاد تكون اختلاف في تقديرات الموقف، ويعود اهتمام إسرائيل بما يحدث في سوريا لأسباب عديدة، مثل: قربها الجغرافي وحالة الحرب معها، ومطالب دمشق باسترداد الجولان، والدور الذي تلعبه سوريا في المنطقة، وعلاقاتها القوية مع إيران وحركات أخرى تعتبرها إسرائيل من خصومها الرئيسيين.
وتخشى إسرائيل من أن تؤدي الأحداث الدموية في سوريا إلى انهيار وقف إطلاق النار أو تسخين الجبهة في الجولان، إضافة إلى القلق الإسرائيلي الدائم على مصير ما بحوزة سوريا من احتياطي أسلحة غير تقليدية وصواريخ، وما تخشاه إسرائيل هو أن تؤدي تطورات الأزمة في سوريا إلى توجيه هذه الأسلحة إليها وأن يقع بعضها أو كلها بين أيد تراها غير مسؤولة.
ويعتبر مراقبون أن الأمر الهام بالنسبة إلى إسرائيل في موقفها من سوريا، هو العلاقات السورية الإيرانية، إذ ترى أن إيران ومشروعها النووي أكبر تهديد إستراتيجي لها، وترى في استمرار العلاقة السورية الإيرانية قوة لطهران وفي انقطاعها ضربة لها ولنفوذها في المنطقة.
ويركّز صنّاع القرار وصنّاع الرّأي العامّ في إسرائيل على الدّعم السوريّ لحزب الله الذي تعتبره إسرائيل ألدّ أعدائها وتخشى من أن يحصل على أسلحة غير تقليديّة إذا سقط النّظام السوريّ أو ضعف، وتأمل من جهةٍ أخرى أن يؤدّي سقوط النّظام إلى إضعافه.
ويؤكد رئيس الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية د. مهدي عبدالهادي لـ «البيان» أن خطاب الحرب الذي حمله وألقاه بنيامين نتانياهو في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) التي تعتبر أقوى جماعة ضغط تتحكم بالسياسة الخارجية الأميركية، كان ضد إيران وطالب بتحالف أميركي إسرائيلي في عملية عسكرية مباشرة ضد مشاريع المفاعل النووي في طهران، وأنه لم يعبر عن قناعات أو منطق الرؤية الإستراتيجية الأمنية لدى واشنطن وأيضا لدى خبراء الأمن الإسرائيليين الذين لا زالوا يحذرون من خطورة هذا المسار على منطقة الشرق الأوسط ككل ومن ثم على الكيان الإسرائيلي. ويشير عبد الهادي: «شاهدنا وتابعنا سلوك الرئيس الأميركي باراك أوباما في تقديم الولاء والدعم والحماية لإسرائيل ولكنه في نفس الوقت لم ينْسَق إلى ما ذهب إليه نتانياهو وحرص على التذكير بتوصيات الخبراء الأمنيين بعدم الانجرار وراء غضب وعصبية وغرور نتانياهو».
ولم تكن سوريا محور النقاش أو الاهتمام على جدول أعمال مؤتمر إيباك أو أولويات نتانياهو أو خبراء العسكر، هذا مع العلم أن هنالك أكثر من سيناريو أمني عسكري قد جرى الإعداد له في الشأن السوري وأولويات ذلك ليست مسألة شخص الرئيس السوري بشار الأسد أو شكل الحكم الانتقالي ما بعد الأسد وإنما جغرافية سوريا وتقسيمها إلى كانتونات كما هو الحال في الضفة الغربية.
أما عن الرأي العام الإسرائيلي فقد كان «مطمئنا لسكوت وسكون» الحدود السورية الإسرائيلية طوال عقود حكم حزب البعث الأربعة الماضية ويتابع «سقوط الجيش السوري» في مستنقع الأزمة الداخلية الأمر الذي لن يمكنه إطلاقا بالاهتمام بالجبهة الإسرائيلية، ناهيك عن غياب أسماء جنرالات الجيش السوري المحتملين لما بعد بشار الأسد.
تباين تقديرات
ويقول د. عبدالهادي لـ «البيان» أن الخلاف الإسرائيلي هو بين أقطاب حكومة نتانياهو وفي دائرة أمن جبهة الجولان وليس في شكل ومستقبل نظام الحكم السوري، آخذين بعين الاعتبار موقف وسياسية بن غوريون في أعقاب تقسيم فلسطين وسقوط نظام النخب القومية في سوريا، وتوالي ثلاثة انقلابات عسكرية: حسني الزعيم، وسامي الحناوي، وأديب الشيشكلي حين رفض بن غوريون مبادرات الانقلابيين الثلاثة المتعاقبة لعقد اتفاقات صلح واعتراف ما بعد اتفاقيات الهدنة. نظريات بن غوريون تتجدد الآن لدى أقطاب الحكم في إسرائيل في مسألة الحدود والأمن وليس أبعد من ذلك ما داموا يتمتعون بخيرات الجولان وتجذير الاستيطان فيه.
وبحسب المحلل السياسي د. عادل سماره، فإن هناك اجتهادات لا خلافات في المواقف الإسرائيلية حيال التطورات في سوريا، ففي حين يفضل الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز التعامل بعقلانية وحكمة مع هذه القضية والتدخل في الوقت المناسب، يرى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أن يسجل لرصيده العسكري مزيدا من التطرف والعنجهية ولذلك يريد تدخلا عسكريا وبأسرع وقت من أجل انهيار النظام السوري، ولكن من يتحكم بهذا القرار هو الإدارة الأميركية، كما يأمل السياسيون في إسرائيل أن يسقط النظام السوري، لأن ذلك سيضعف ما يسمونه محور التطرف في المنطقة، وبالأخص إضعاف إيران وحزب الله.
لصالح إسرائيل
وفي رده على سؤال عما إذا كان سقوط نظام الأسد في مصلحة إسرائيل أم لاـ يضيف سماره لـ «البيان» قائلاً عن من المصلحة الإسرائيلية «القضاء على نظام الأسد لكونه آخر نظام قومي عربي... فهي دربت وزرعت عملاء لها في سوريا قديما وحديثا لاختراق النظام، وبقاء النظام حالياً خطير جداً لأنه سيضطر إلى إصلاحات شاء أم أبى، ليظهر في صورة جديدة صورة فيها بعد قومي ديمقراطي ولكي يحافظ على علاقاته الدولية بتوازن خاصة مع روسيا والصين بعد أن حدث خلخلة في الموقف الدولي بشأن الأحداث السورية».
