رجل يرقد في شارع وينزف من جرح نتج عن طلق ناري في صدره وهو يمسك بوردة حمراء وأمامهما جندي يطلق رصاصة من فتحة في دبابته ولهب أحمر يخرج من ماسورة بندقيته.. ورجل ثان يلوح بذراعيه إذ اصيب أيضا برصاصة في الصدر. في الشارع خلفهم تقف مجموعة من المحتجين لا ترتسم على وجوه افرادها أي تعبيرات أو مشاعر. رجلان يمسكان بلافتتين مكتوب عليهما بالعربية:
«الشعب يريد اسقاط النظام». وإذا كان لصورة أن تساوي ألف كلمة فحينئذ تساوي صور إيميل البالغة من العمر 14 عاما مليون كلمة. تقول إيميل وهي تشير إلى اثنتين من لوحاتها الملونة والمثبتة على لوحة اعلانات «هذه الصور تظهر ما رأيته. رأيت هذه المشاهد بأم عيني». وإيميل واحدة من آلاف السوريين الذين تدفقوا على الحدود إلى تركيا خلال الأحد عشر شهراً الماضية فرارا من حملة دموية على انتفاضة شعبية ضد الرئيس بشار الأسد..
وهي تعيش مع أخويها وأختها ووالديها في بوينيوجون أحد ستة مخيمات للاجئين على الجانب الآخر من الحدود في اقليم هاتاي التركي. وإيميل مثل أغلب سكان المخيم من بلدة جسر الشغور في محافظة إدلب الشمالية، وهي منطقة تشهد الكثير من أعمال العنف.
هناك عشرة آلاف لاجئ مسجل في هذه المخيمات ويزيد العدد باطراد. ويعيش ما لا يقل عن ألفين آخرين في الخارج إما مع أقاربهم أو في مساكن مستأجرة.
وتمثل إحدى الخيام فصلاً دراسياً مؤقتا للرسم ومعرضاً للوحات أطفال المخيم. والرسوم واللوحات والرسوم التخطيطية معلقة على جدران الخيمة، في حين توجد عشرات منها على طاولة في وسط الغرفة.
مشاهد مؤلمة
ورغم أن الصور طفولية وبسيطة لكنها تصور مشاهد ما كان ينبغي لطفل أن يشاهدها كالدبابات والدماء والموت.
وتقول إيميل وهي مثل جميع الاطفال في المخيم لا يجري تعريفها إلا باسمها الأول «كنا نجلس في المنزل. لم يكن أحد في الخارج. الشوارع كانت خاوية تماما... حينئذ سمعنا جلبة وعرفنا ان القتال قد بدأ. في البداية عندما رأيت الجنود اعتقدت أن أشياء جيدة تحدث، لكن عندئذ رأيتهم يطلقون النار على الناس وعرفت أن الأمر سيئ»، مضيفة «هم يقتلون اخوتنا أمام أعيننا .
.الكبار والصغار. من في العالم يقتل طفلاً؟» وتعتقد الامم المتحدة أن نحو 400 طفل بين ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص قتلوا منذ بدء الاحتجاجات المناهضة للحكومة في مارس. ويرتجف صوت إيميل وهي تحكي قصتها. وتقول إنها تبكي كل يوم لأنها اضطرت إلى مغادرة منزلها لكنها تصر على أنها ليست خائفة. مضيفة القول: «نحاول أن نساعد بعضنا بعضا بتبادل الحديث عما رأيناه».
خارج الطفولة
وخارج الخيمة يتضاحك أطفال صغار وهم يركضون تحت المطر. وفي خيمة قريبة يردد أطفال في الخامسة والسادسة من عمرهم أغاني رياض الأطفال باللغة التركية التي تعلموها حديثاً متناسين ظروفهم فيما يبدو».
لكن بعد دقائق سارت مجموعة من الصبية الصغار في المخيم ملوحين بقبضاتهم في الهواء وهم يبتسمون ويرددون الشعارات السياسية التي تعلموها من أشقائهم الأكبر سناً. والشباب المطالبون بالتغيير هم من يحرك الانتفاضة السورية مثل انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بأربعة رؤساء وليس أمام الأسد شيء يذكر يمكن أن يفعله إزاء التركيبة السكانية لسوريا. وتقول نادين وهي مهندسة مدنية عمرها 23 عاماً «هؤلاء الأطفال يعبرون عن مشاعرهم كما لو كانوا في حرب.
هؤلاء الأطفال يائسون». وتهوى نادين وهي نفسها لاجئة من جسر الشغور الرسم وقررت أن تنشئ فصلا دراسياً للرسم في المخيم لمنح الأطفال شيئاً يفعلونه. وتقول وهي تشير إلى الصور «لم أقل للأطفال أبداً ماذا يرسمون. أقول لهم ارسموا ما تحبون.. وهذا ما يرسمونه».
