الجيش أصدر «البيان رقم ‬1» لـ«تأييد مطالب الشعب المشروعة»

مبارك يفوض سلطات الرئاسة لسليمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاشت مصر، ومعها العالم، ليلة ترقب طويل لنبأ وصف بأنه «يسر المعتصمين» في ميدان التحرير وانتهى الليل ولم يصدر عن الرئاسة المصرية سوى تفويض سلطات الرئيس حسني مبارك إلى نائبه عمر سليمان، فيما كانت برزت ملامح شد وجذب بين المسؤولين السياسيين الذين اكدوا بقاء مبارك في السلطة مع المؤسسة العسكرية التي أصدرت «البيان رقم ‬1» الذي صيغ بطريقة دبلوماسية أكدت فيه «تأييد مطالب الشعب المشروعة ومكتسبات الوطن»، في وقت استبقت القوات المسلحة الخطوة بالانسحاب من أمام القصر الرئاسي بعد أن كانت أعادت تموضعها في المراكز الحساسة بالقاهرة وتحديدا القصر الرئاسي ومبنيي الاستخبارات العامة والتلفزيون.

وخرج مبارك في «حديث من القلب» متلفز فوض فيه الصلاحيات إلى نائبه «تحقيقاً للمصلحة الوطنية»، كاشفاً عن إجراء تعديلات دستورية واسعة شملت خمس مواد من الدستور هي (‬76 ،‬77، ‬88، ‬93، ‬189) وإلغاء سادسة (‬179) متعلقة بمكافحة الارهاب ما يمهد لرفع حالة الطوارئ. وقدم مبارك مواساته إلى أهالي قتلى الاعتصامات، مؤكداً ثقته من «حسن نوايا الشباب» في إشارة إلى المحتجين. وأردف: «يحز في نفسي ما ألقاه من بعض بني وطني».

 

البيان (ا)

وبالتزامن، اعلن الجيش المصري في «البيان رقم ‬1» للمجلس الاعلى للقوات المسلحة، الذي صيغ بطريقة دبلوماسية لعدم إهانة مبارك، بعد اجتماع برئاسة وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي انه «قرر الاستمرار في الانعقاد بشكل متواصل لبحث ما يمكن اتخاذه من اجراءات للحفاظ على الوطن ومكتسباته وطموحات شعب مصر العظيم».

وقطع التلفزيون المصري برامجه وتلا بيان جاء فيه انه «انطلاقا من مسؤولية القوات المسلحة والتزاما بحماية الشعب وتأييدا لمطالبه المشروعة انعقد اليوم المجلس الاعلى للقوات المسلحة لبحث تطورات الموقف».

وكان على يمين طنطاوي رئيس هيئة الأركان سامي عنان. ولم يحضر مبارك الاجتماع بوصفه كان القائد الأعلى للقوات المسلحة أو سليمان اللواء السابق في الجيش ورئيس الاستخبارات. وبعد قليل، اعلن التلفزيون المصري ان مبارك اجتمع بسليمان وانه استقبل بعد ذلك رئيس الوزراء احمد شفيق، في ما بدا نفيا ضمنيا لتكهنات واسعة بشان مغادرته مصر رددها على التلفزيون الرسمي نفسه بعض السياسيين والمحللين. ولم يذكر التلفزيون الذي بث صورا للاجتماع مزيدا من التفاصيل بشأن فحوى الاجتماع الذي بدا فيه مبارك صامتا فيما كان سليمان يتحدث طوال الوقت.

 

انسحاب الجيش

وانسحب الجيش من محيط الرئاسة قبيل منتصف الليل في اطار مساومات اللحظة الاخيرة، حيث افادت مصادر ان قوات الجيش المصري انسحبت من مواقع عدة كانت تمركزت فيها قرب القصر الجمهوري منذ بداية الازمة. وقالت المصادر ان العديد من الدبابات التابعة لفرق الجيش التابعة لقيادة المنطقة المركزية اختفت من المواقع التي احتلتها في طريق صلاح سالم القريب من مقر الرئاسة وبيت مبارك في المنطقة ذاتها. واضافت ان الدبابات والمدرعات والقوات تركت تلك المواقع قبيل الاعلان عن اجتماع للمجلس الاعلى للقوات المسلحة. وفسرت المصادر انسحاب بعض القطعات كونها انذارا لمبارك من انها «ربما لم تستطع حمايته لو قرر المحتجون السير نحو مقر الرئاسة».

 

«أنباء سارة»

وقال شاهد عيان ان قائد المنطقة المركزية بالجيش المصري حسن الرويني قال للمحتجين في ميدان التحرير مساء امس ان كل ما تريدونه سيتحقق». وخاطب الرويني المحتجين من على منصة في الميدان، مطالبا المحتجين بـ«إنشاد السلام الوطني والحفاظ على أمن مصر». وفور سماع كلماته ردد المحتجون: «الشعب يريد اسقاط النظام» و«النظام سقط» و«عايزينها مدنية»، في إشارة إلى رفضهم للحكم العسكري ونقل السلطة للجيش. وتوافد الاف من المصريين الى ميدان التحرير عقب سماعهم البيان الصادر عن القوات المسلحة. وقال مشاركون في الاحتجاجات ان الالاف بدأوا في مسيرات من مختلف مناطق القاهرة للانضمام الى المتظاهرين للاحتفال. وردد الاف من المتواجدين في الميدان شعارات تصر على تنتحي مبارك، كما هتفوا «الجيش والشعب.. يد واحدة». إلى ذلك، دخلت الاحتجاجات يومها السابع عشر وسط توافد قطاعات عمالية ومهنية جديدة الى ميدان التحرير بوسط القاهرة. وبالرغم من تساقط الأمطار الغزيرة على الميدان، استمر حشد نحو ‬200 ألف في ميدان التحرير استعدادا لـ«يوم الزحف» الذي بات مصيره مجهولا وسط ترقب وحماسة وحديث عن استعداد الجيش للتدخل إن لم يقبل المعتصمون تفويض سليمان للرئاسة.

 

 

من الحدث

أوباما: التاريخ يتشكل من جديد

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن التاريخ «يتشكل من جديد في مصر»، واصفاً الأحداث التي تشهدها بأنها «مرحلة تغيير يقودها الشباب من الجيل الجديد». وأضاف في خطاب بولاية ميتشيغان: «على المصريين أن يعرفوا اننا نتابع الوضع عن كثب وندعم انتقالا سلمياً ومنظماً للسلطة». كما اعلن المسؤول الثاني في وزارة الخارجية الاميركية جيمس شتاينبرغ ان الولايات المتحدة «ستعمل بما لا يسمح للاضطرابات في مصر ان تسبب خطرا جديدا على اسرائيل والمنطقة».

 

لندن: التغيير العاجل مطلوب

قال ناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان التغيير في مصر «مطلوب بشكل عاجل». وردا على سؤال بشأن الاحتجاجات، قال الناطق: «النتيجة التي خلصنا اليها هي ان التغيير مطلوب ومطلوب بشكل عاجل». ونفت مصادر الأنباء التي راجت بشأن توجه مبارك إلى أوروبا.

احراق مديرية أمن بورسعيد

اقتحم متظاهرون أمس مقر مديرية امن مدينة بور سعيد حيث قاموا بأعمال تخريب ونهب وذلك غداة اقتحامهم مبنى المحافظة. وقام نحو ثلاثة الاف متظاهر من سكان حي الزرزاة العشوائي باقتحام مبنى المديرية وأحرقوا طابقين وحطموا الواجهة الزجاجية. وحطم المحتجون أو أشعلوا النار في ‬29 سيارة للشرطة كما أحرقوا الجزء الامامي من مبنى الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي يقدم قروضا للشباب ليبدؤوا أعمالا، في وقتٍ تقرر معاقبة مدير أمن محافظة الوادي الجديد بعيد مقتل خمسة متظاهرين في مواجهات مع الشرطة.

 

 

 

 

على الهامش

- أفادت معلومات «البيان» أن خطاب التنحي الذي ألقاه الرئيس مبارك منتصف الليل سجل عند الساعة ‬00:‬6 مساء بتوقيت القاهرة (‬00:‬8 بتوقيت الإمارات).

- المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يجتمع إلا في حالات الحرب أو الطوارئ. ولم يحدث أن اصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية أي بيانات وأعطاها أرقاماً منذ حرب أكتوبر ‬1973.

- بموجب الدستور المصري الراهن، فإنه في حالة تنحي رئيس الجمهورية يتولى الرئاسة بشكل مؤقت رئيس مجلس الشعب على أن تجرى انتخابات رئاسية جديدة في غضون ‬60 يوماً.

- استقبل المتظاهرون ، الذين تجاوز عددهم مليون شخص ، بفرحة مشوبة بالحذر بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

- انضم نحو ثلاثة آلاف من المحامين الى المتظاهرين المحتشدين في الميدان وهم يرددون شعار «الشعب يريد إسقاط النظام».

- بدأ نحو خمسة آلاف من سائقي وعمال هيئة النقل العام في القاهرة اعتصاماً مفتوحاً للمطالبة بتحسين الأجور ورفع حوافزهم.

- تظاهر مئات الكتاب والمثقفين تلبية لدعوة أطلقها «اتحاد كتاب مصر» تضامناً مع «المطالب المشروعة» التي رفعها المتظاهرون.

- استمر انتشار عدوى التظاهرات في مطار القاهرة الدولي لليوم الثاني على التوالي، حيث شهد المطار أمس تظاهرتين للمطالبة بتعيين العمالة المؤقتة وتحسين الأوضاع.

- صرّح الأمين العام للحزب الحاكم حسام بدراوي لإذاعة «بي.بي.سي» انه «يتوقع ان يستجيب مبارك لمطالب الشعب قبل الجمعة».

- ذكرت قناة «العربية» الإخبارية أن بعضاً من ضباط الجيش بالقوات المسلحة الموجودين في ميدان التحرير أعلنوا في الإذاعة الداخلية بالميدان عن «أنباء سارة» للمتظاهرين.

- كان وزير الاعلام المصري انس الفقي ابلغ وكالة «رويترز» بعد ساعة من إلقاء الجيش البيان رقم ‬1 (عند الساعة ‬9 مساء) ان مبارك «لا يزال ممسكاً بالسلطة ولن يتنحى».

 

تقرير

الجيش يعصف بالمتنفذين والطبقة السياسية

 

 

بعد أكثر من أسبوعين على بدء الاحتجاجات، حظي الجيش المصري بأربعة من المواقع المهمة في قمة السلطة بينما يعسكر الآلاف من جنده في الشوارع لتوفير الأمن. ويقول مايكل حنا الخبير في الشؤون المصرية في مؤسسة «سينتشري» بنيويورك: «إذا تواصل هذا الأمر أو تصاعد، فسوف يقرر الجيش إما أن ينفذ انقلابا أو يأمر بقمع التظاهرات». وفي الوقت الراهن لن يتغير هذا الوضع ما لم يقرر الجيش تغييره، بحسب ما أضاف. وإحكام قبضة الجيش المصري على نفوذ بهذا المستوى ليس بالأمر الغريب أو الجديد على القوات المسلحة المصرية. وقد أمد الجيش بجميع رؤسائه الأربعة منذ استولى ضباط على السلطة العام ‬1952 أسقط الملكية. ولقد تعمد الجيش تخفيض سقف تواجده في المشهد العام على مدار العقود الستة الماضية، لكنه رغم ذلك ظل أقوى المؤسسات المصرية نفوذا. ورغم أنه يتلقى مساعدات أميركية سنوية بقيمة ‬1,3 مليار دولار، قام خلال الأعوام الماضية بالدخول إلى عالم المال والأعمال معززة من سطوتها بعقود حكومية مربحة في قطاعات البناء وشق الطرق وإنتاج الطعام. ولعقود طويلة كان جنرالاته يشغلون بعد تقاعدهم من الخدمة مناصب حكومية مهمة كأن يصبحوا رؤساء لهيئات حكومية أو محافظين أو عمد.

تاريخ وتداخلات

وقال أغسطس ريتشارد نورتون وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة بوسطن: «أي خليفة لمبارك لا يتمتع بدعم كبار القادة العسكريين سيعمل الجنرالات على تقويضه وإعاقته». وبات عمر سليمان، وهو أحد المقربين من الرئيس المصري، وجه النظام منذ عينه مبارك نائبا للرئيس. وفي إشارة على تضامن الجيش مع مبارك، قال سليمان إن الدعوات الصريحة للمحتجين لرحيل مبارك تمثل إهانة للقوات المسلحة. وقال في إشارة إلى حرب أكتوبر ‬1973 التي شارك فيها مبارك بصفته قائدا للقوات الجوية: «مبارك بطل حرب أكتوبر.. والمؤسسة العسكرية حريصة على أبطال حرب أكتوبر». وحتى الآن، قدم انتشار الجيش منذ أسبوعين في الشوارع صورة لمؤسسة تحفظ الاستقرار. ولقد كسب تعهده بعدم اللجوء إلى العنف ضد المحتجين قلوب الكثيرين، رغم أن البعض ما زال قلقا من أن الجنود الذين يحيطون بمخيم احتجاجهم ربما يتدخل في نهاية الأمر لإخلائهم. ولم يكن وزير الدفاع حسين طنطاوي كثير الظهور في العلن قبل هذه الأزمة، ولكن طنطاوي، القائد الميداني الذي يحتل أيضا منصب نائب رئيس الوزراء، تفقد في إجراء رمزي وملفت قواته في ميدان التحرير فكان أعلى مسؤول في النظام يقدم على هذه الخطوة.

سلطة ومجموعتان

ويقول جون ألترمان من مركز «الدراسات الإستراتيجية والدولية» في واشنطن: «أعتقد أن القوات المسلحة المصرية تقود بإحكام عملية انتقال السلطة في مصر». وأردف: «لقد لعبت القوات المسلحة دورا بارزا في تحقيق الاستقرار في خضم هذه الأحداث ولا يرجح أن تميل للانقلاب واقتناص السلطة في أي وقت قريب». ويعد رئيس الوزراء أحمد شفيق اللبنة الأخيرة في الرباعي الذي يقود السلطة في مصر وهو الضابط السابق في القوات الجوية كما مبارك. وقد أجرى بنفسه الحوارات مع المعارضة وأمر بعلاوة استثنائية قدرها ‬15 في المئة على رواتب العاملين بالحكومة البالغ عددهم ستة ملايين موظف في مسعى للحصول على ثقة المصريين بالرغم من الضربة الموجعة التي سددتها الاضطرابات للاقتصاد المصري. وبالإضافة إلى ذلك، طفقت القوات المسلحة تضرب المجموعة المؤلفة من أقطاب رجال الأعمال السياسيين الذين احتشدوا حول نجل الرئيس المصري جمال مبارك خلال العقد الماضي. كما صفت مجموعة أخرى هي قيادات «الحزب الوطني الديمقراطي» التي علا فيها نجم مبارك الابن. وطهر شفيق حكومته من رجال الأعمال وفتح النائب العام التحقيقات معهم على خلفية تهم بالفساد.

 

 

 

Email