رئيس حزب «التقدم والعدالة الاجتماعية» السوداني لـ «البيان»: نحن أول حزب يساري علماني يعترف به «الانقاذ»

تأسس حزب التقدم والعدالة الاجتماعية في السودان وفقا لقانون التوالي في 24 فبراير 1999م واعلن للشعب السوداني انه حزب يساري علماني وذلك فور استلامه للشهادة الرسمية بتسجيله. واكد ذلك مختار عبيد رئيس الحزب. وصدرت الصحف في اليوم التالي تؤكد استلام حزب التقدم لشهادته كحزب دستوري بان حزب التقدم والعدالة الاجتماعية حزب يساري علماني ولكنه مرن وهو امتداد لحزب العمال والمزارعين المؤسس عام 1963م وهو حزب معلوم للشعب السوداني انه حزب اشتراكي. وقد اوضح مختار ان حزب العمال والمزارعين بعد تقييم دستور 1998م الذي وقعه رئيس الجمهورية في يونيو 1998م خلص الى نتائج بان هذا الدستور علماني بنسبة 60% وبالتالي يمكن ان يسجل الحزب ويعمل في اطار هذا الدستور. وبعد ان اجاز المجلس الوطني قانون التوالي السياسي استعرضه الحزب وتأكد له انه لا يوجد شيء يحول دون تسجيل الحزب.. وفي مستهل حوار مطول سألنا رئيس الحزب مختار عبيد: ـ لماذا اختار الحزب الاسم الجديد؟ ــ حزب التقدم والعدالة جاء نتاج سببين: الاول قرار صدر من حزب العمال والمزارعين بان يغير اسمه لان الحزب اكتشف ان عددا كبيرا من المتعاطفين معه كانوا يعتقدون بان العضوية في هذا الحزب وقف على العمال والمزارعين فقط. كان ذلك بعد تقييمه لمسيرته في اليوبيل الفضي. السبب الثاني ان قانون التوالي السياسي لا يسمح لاحزاب طبقية، والعمال طبقة والمزارعون ايضا، مثلما لا يسمح بأحزاب قبلية طائفية عنصرية او دينية. والحزب امتداد لحزب العمال والمزارعين والدليل على ذلك انه مازالت قيادة حزب العمال والمزارعين جزء من قيادة حزب التقدم والعدالة حتى القادة السياسيين هم نفس من كانوا يقودون حزب العمال والمزارعين حتى صبيحة يوم تقدم الحزب للتسجيل. والحزب معظم لوائحه ونظمه وقوانينه الداخلية هي نفس نظم وقوانين ولوائح حزب العمال والمزارعين مع بعض التعديلات. ولكن الجديد في الامر ان البرنامج الذي كان يعمل به حزب العمال والمزارعين منذ 1985 تغير منذ 6 مايو 1999م. وهو مقدم الان للشعب السوداني كأكبر برامج في حجمه يقدمه حزب سياسي للشعب السوداني منذ نشأت الأحزاب عام 1945. تقع البرامج في 64 صفحة تغطي علاقة الحزب بالدين، ووجهة نظر الحزب حول السلام ووحدة السودان، والحرب والديمقراطية، الحزب والاقتصاد، الخدمة المدنية والخدمات الاجتماعية الخمس الضرورية «التعليم، الصحة والاسكان، النقل والمواصلات والقوات المسلحة والشرطة وشرطة الحياة البرية السجون والدفاع المدني، ورأي الحزب في السياحة والاعلام والثقافة والرياضة، ورأي الحزب حول الاسرة والمرأة والشبيبة والطفل والمسنين والعجزة والمتشردين واللقطاء كما تحدث البرنامج عن السياسة الخارجية. هذا هو البرنامج الاستراتيجي ومكمل له برنامج اخر سمي بالبرنامج المرحلي. ووضع بعض النقاط على الحروف حول بعض القضايا ومن ضمنها في مجال السياسة الخارجية نادى الحزب بالتكامل مع الصين ومصر والجماهيرية الليبية واليمن وتونس، وفيما يختص بالنظام الداخلي بسط الحزب بعض الشروط للعضوية لان الحزب قرر ان ينتقل من حزب طليعي الى حزب جماهيري لكي ينافس الأحزاب الكبيرة القديمة والجديدة على مبدأ التداول السلمي للسلطة. ـ ما هو الفرق بين شعارات الحزب والحزب الشيوعي السوداني؟ ــ الشعار الرئيسي للحزب يقول «كل نضالاتنا من اجل اسعاد الشعب السوداني» والمباديء التنظيمية التي تقود الحزب تشبه تماما المباديء التنظيمية للحزب الشيوعي السوداني، وتتلخص في الآتي: * مبدأ القيادة الجماعية، ولكن حزب التقدم يضيف «مع مراعاة دور الفرد في التاريخ». * المبدأ الثاني الديمقراطية الداخلية وكيفية ادارة الصراع الداخلي وفقا لمزيد من الديمقراطية والصبر الطويل. * المبدأ الثالث وضع الشخص المناسب في المكان المناسب «لا مجال لحسب ـ ونسب وقبيلة او دفعة او جوار او جهة الخ.. وانما الوضع يحدده النضال للحزب من الشخص المعني ـ اي لا مكان لاستلطاف وعدم استلطاف. * المبدأ الرابع: النقد والنقد الذاتي، وهذا شعار الحزب وهي كلمات موريس توريس سكرتير الحزب الشيوعي الفرنسي الذي توفى عام 1964م والذي قال «النقد والنقد الذاتي هما خبزنا اليومي» واضاف حزب التقدم الى ذلك «النقد والنقد الذاتي هما مصلنا الواقي من الدرن الاجتماعي». * الخط الجماهيري لحزب التقدم والعدالة الاجتماعية يتشابه تماما مع خط الحزب الشيوعي ولكن يزيد عليه بتأكيد ان مسئولية الحزب هي امام جماهير الشعب السوداني وليس سواهم، حزبا كان او دولة او جبهة او شعباً اخر. فالخط يقرأ كالاتي «حيث الجماهير.. من الجماهير.. الى الجماهير... التعلم منها وتعليمها والثقة بها والمسئولية تجاهها» والفرق بين حزب العمال والمزارعين وحزب التقدم ـ ان المنصب الاول كان يسمى الامين العام ـ واليوم يسمى رئيس الحزب وهذا اقتضته معرفة الحزب بمزاج الشعب السوداني الذي يفضل كلمة الرئيس على الأمين العام. ـ حزب التقدم لكي يكون حزبا جماهيريا لابد له من ابداء مرونة اكثر في مسألة شروط العضوية ـ في حزب العمال والمزارعين كان يتوجب ان يزكي الشخص بعضوين ـ التقدم يكفي ان يزكيه شخص واحد وكان الشخص يفضل اذا لم يدفع اشتراكات لمدة ثلاثة اشهر الآن الأمر ليس كذلك. ــ الفرق ايضا ان حزب التقدم ركز في بنائه التنظيمي على الشعبية من الجنسين وعلى خريجي الجامعات، واكثر منها العمل وسط الطلاب، واكد وظل يؤكد انه اكبر حزب نصير للمرأة ولذلك المرأة ممثلة في مجلس رئاسة الحزب بمناضلتين وبعدد من المناضلات في اللجنة المركزية وهي لجنة ليست بقليلة العدد. وحزب التقدم الان يعمل وفقا لقانون التنظيمات والاحزاب السياسية بعد ان قدم وجهة نظر كاملة حول قانون التوالي، وعدل في ذلك القانون «13 مادة من 21 مادة» بما في ذلك اسم القانون والاسم الجديد كان احد اسمين اقترحهما حزب وقد قدم الحزب وجهة نظره مكتوبة لوزير العدل في 18 ديسمبر 1999م وقرأه امام ممثلي الأحزاب المسجلة، وحضر الجلسة ابراهيم احمد عمر عندما كان مساعداً لرئيس الجمهورية. قبل ان يصبح امينا عاما للمؤتمر الوطني الحاكم. ـ يعتقد البعض ان احزاب التوالي مجرد ديكور ـ لديمقراطية غير حقيقية. فماذا قدمتم للبلاد؟ ــ حزب التقدم واحد من 22 حزبا مسجلا تسمى الأحزاب الدستورية، والحزب شارك في جميع الاجتماعات التي دعا لها المؤتمر الوطني ودعت لها بعض الأحزاب المسجلة وابدى رأيه كتابة في معظمها مثلا: اتفاقية جبال النوبة، قانون الأحزاب المقدم للبرلمان، «كان الحزب الوحيد الذي قدم تصورا للبرلمان» والمبادرة المصرية الليبية. ونشط الحزب في الكثير من الليالي السياسية وبعض الملتقيات الصحفية من بينها ندوة كبرى عقدتها جريدة «البيان» قبل سنين، ولقد شارك الحزب بقدر استطاعته في بعض المسائل الكبيرة مثل مناقشات الحكم الفيدرالي، مجاوبا كتابة على استفسارات قدمها له مجلس تشريعي ولاية الخرطوم، وساهم بوفد كبير في مناقشات الاستراتيجية، وشارك في كل المدلولات «خلال السنتين الماضيتين» المتعلقة بالوفاق الوطني وشارك بخمس أوراق في الملتقى التحضيري الذي جرى التحضير له ثمانين يوما وتوج بجلسات ايام 16، 17، 18 اكتوبر 2000 وقدم توصياته لرئيس الجمهورية ونستطيع ان نقول باختصار أن الحزب ابدى رأيه ايضا في كل النداءات الكبيرة مثل نداء الوطن ونداء السودان. وفي القضايا الحساسة الكبرى فان اراء الحزب معلومة للجميع «الدولة والاحزاب والمبادرة المصرية الليبية» والحزب ينادي بمبدأ تقرير المصير رغم ان هذا الموقف يزعج الحلفاء الاستراتيجيين كمصر مثلا. والحزب كحزب علماني نادى بفصل الدين عن الدولة ولا يساوم، ولكنه يحترم ارادة الاغلبية ويتفاعل بما يجري على الارض، منطلقا من فهمه للسياسة باعتبارها توازن قوى وفق الممكن.. وهي أقرب الى الجبر منها للحسابات وهي تعتمد على التحالفات وعلى عدم العداء الدائم والصداقة الدائمة.. حزب التقدم يرفض الشمولية رفضا باتا، سميت بالاتحاد الاشتراكي او بالانقاذ او الحزب الاوحد او الغالب.. يؤمن بالتعددية الحزبية ولا ينزعج من كثرة الاحزاب رغم ان هذه المسألة من الناحية التنظيمية والمادية تسبب له مشاكل لانه حزب فقير محدود الامكانات. ـ ما هي علاقتكم بالمعارضة وغيرها؟ ــ مع التواضع نحن الحزب الوحيد في السودان الذي يعرف الـ 73 حزبا في الساحة السياسية السودانية، لا الدولة تعرفهم ولا الاحزاب الكبيرة والصغيرة، حزب التقدم بحكم تغلغله في المجتمع السوداني ومعرفته لخبايا الساحة السياسية السودانية والثقة المتبادلة بينه وبين المناضلين السودانيين مؤيدين ومعارضين للنظام الحاكم هو الموفق والمتاح له معرفة التنظيمات الجديدة، وقد زكاه لهذا سلوكه السياسي خلال ثلاثة وثلاثين عاما، ومواقفه المبدئية، وعقلانيته، وبعده عن الاستوزار واعتماده على العدالة الاجتماعية مبدأ في التعامل مع الاخرين، حزب التقدم ـ ايديولوجيته الاشتراكية العلمية وهي جزء من الاجزاء الثلاثة المركبة للماركسية اللينية، يتعامل مع الاشتراكية العلمية كمنهج مرشد ودليل للعمل، وهي نظرية علمية لا تسقط الا اذا سقط علم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والاحياء وبقية العلوم التي اختبرت واكدت صلاحيتها وصحتها في الحياة. ـ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ما هو مستقبل الفكر الشيوعي؟ ــ حزب التقدم كامتداد لحزب العمال والمزارعين لم ينزعج ولم تهتز له شعرة يوم فكك وحلل الاتحاد السوفييتي، لا لاننا كنا حزبا صينياً كما هو الادعاء، ولأننا كنا نعادي الاتحاد السوفييتي، وانما لاننا كنا نتابع منذ سنوات كل المؤامرات التي حاكتها الامبريالية والصهيونية العالمية، كنا ندرك كل الاختراقات، ومن الجدير بالملاحظة هنا نقول للقاريء العزيز ان رئيس حزب التقدم ـ قضى ثمانية عشر عاما في الحزب الشيوعي السوداني وكان متفرغا ولكنه لم يزر الاتحاد السوفييتي حتى اليوم وكان متاحا له ذلك لانه درس العلوم السياسية بمدرسة الحزب العليا في بلغاريا عدة سنوات. وهو السوداني الوحيد الذي درس الماركسية دراسة كاملة لسنوات وكان اول دفعته العالمية. نحن في حزب التقدم لم نتعامل مع الاتحاد السوفييتي باعتباره بداية ونهاية الشيوعية وذلك لسبب بسيط نحن مسلحون بالمعرفة العلمية التي تقول: كل شعب سيصل للاشتراكية بطريقته ووفقا لقوانين تطور مجتمعه الداخلية وخصائصه التاريخية والنضالية، لذلك نحن نتعامل مع ما يجري في موسكو مثله مثلما يجري في بكين او هافانا باعتبارها مسائل ونظم من صنع شعوبها وطبيعي نحن كاشتراكيين بان تسعدنا انتصاراته ونستفيد من اخفاقاته. حزب التقدم لمن يريدان يسأل حول علاقته بالحزب الشيوعي السوداني نقول علاقة طبيعية لا غبار عليها ـ رغم اننا ظللنا نعمل خارج دائرة الثنائيات فلم نلتق الا في التنظيمات الجامعة كالتجمع الوطني لانقاذ البلاد وعملنا سويا في التجمع الوطني لانقاذ البلاد «بعد الانتفاضة» لكننا لم نلتق في التجمع الديمقراطي الراهن بالرغم من الحقيقة التاريخية غير المعلومة للكثيرين بان حزب العمال المزارعين سابقا قاد التجمع الوطني الديمقراطي لمدة 11 شهرا قبل ان يقوده محمد عثمان الميرغني وهذه الحقيقة معروفة لبعض السودانيين، اما علاقة الحزب ببعض الاحزاب المسجلة والاحزاب التي اخطرت المسجل وعددها اكثر من ثلاثين حزبا شكل مع «14» حزبا منها تنظيم الجبهة الوطنية الديمقراطية المتحدة وذلك في اول يناير عام 2002م وكلف رئيس الحزب برئاسة تلك الجبهة ومازال الحزب يقودها حتى اليوم. وباختصار شديد فان علاقة الحزب الوطني قائمة مع كل الاحزاب مسجلة وغير مسجلة خاصة مع الحزب الحاكم برغم ان الحزب يعتبر موضوعياً حزباً معارضاً ولكن معارضته معارضة بناءة ذات افاق بعيدة منطلقة من فهم الحزب للسياسة كعلم. ونحن نرحب ترحيبا حارا بكل حزب او تنظيم سوداني وعربي بريد ان يتعاون معنا من اجل بناء امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ونرحب بكل حزب افريقي يريد ان يتضامن معنا من اجل بناء افريقيا الجديدة.. ونسعى لكي نكسب احزاباً وتنظيمات دولية تريد ان تبني معنا عالما جديدا خال من الحرب والامراض الفتاكة والارهاب وأن يكون عالماً ينعم بالاستقرار والتقدم واحترام آدمية الانسان في القرن الحادي والعشرين.