حين تلتقي الموسيقى الصوفية الشرقية وموسيقى الفلامنكو الغجرية على منصة واحدة، فإن الجمهور سيكون على موعد مع أمسية استثنائية قد لا تتكرر كثيراً، ولحسن حظ جمهور العاصمة أن جمعت لهم «هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة» مدرستين فنيتين مختلفتين ضمن حفل موسيقي واحد ضم المنشد الباكستاني صاحب الصوت الرخيم، فايز علي فايز، مع عازف القيثارة الإسباني الشهير باسم «تشيكيللو» اللذين احتلا خشبة مسرح حديقة المشرف المركزية على مدى ساعتين من الزمن ليكونا نجمي الأمسية الثانية من سلسلة عروض «أمسيات» التي أقيمت أخيراً.

تناغم

تناغم كبير ميّز حفل الفنانين الشهيرين القادمين من باكستان وأسبانيا، حتى لا يكاد يشعر المرء بأي اختلاف في الموسيقى التي يقدمانها رغم التناقض الكبير الموجود من حيث طريقة الغناء والآلات المستخدمة والرتم الموسيقي، غير أن ما قدماه يبرهن على أن الموسيقى لغة عالمية يمكنها أن تتوحد مهما اختلفت الجغرافيا وتباعدت المسافات..

وهكذا كان حفل «أمسيات» الثاني، مطلعاً موسيقياً من قبل «تشيكيللو» يتممه فايز علي فايز بأنشودة صوفية متقنة ويُتبعه بغناء القوّالي المنفرد، ليأتي الدور على آلات الغيتار الوترية مع أنغام موسيقى الفلامنكو لتكمل اللوحة الفنية المبهرة.

تفاعل

غنى الفنانان وفريقاهما فأطربا الجمهور الغفير الحاضر الذي تفاعل معهما رغم اختلاف الثقافات وغرابة اللغة وبوهيمية المعاني، استمتع الحاضرون بموسيقى الغجر وإيقاعات الفلامنجو، وأعجبوا بالصوت النادر لفايز علي فايز الذي صدح في أرجاء «حديقة المشرف» وغرد بعدد من أناشيده الصوفية لا سيما نشيد «يا مصطفى نور الهدى»، الذي بدأه «تشيكيللو» على الطريقة الأندلسية ثم أبدع فيه الفنان الباكستاني بأدائه المبهر، وقدراته الاستثنائية..

وساهمت كلتا الفرقتين الموسيقيتين بإضفاء أجواء رائعة على الأمسية من خلال تناسق الإيقاعات واستخدام القدرات الصوتية والتصفيق بالأيدي وتسخير الآلات الإيقاعية التقليدية الباكستانية مع آلة الغيتار لمزج نوعين مختلفين من الموسيقى، وجعلهما يتوحدان في نسيج واحد وروح واحدة.

تقام سلسلة عروض «أمسيات» حتى مارس المقبل تحت رعاية سمو الشيخة شمسة بنت حمدان بن محمد آل نهيان، وذلك بالتوازي مع موسم «موسيقى أبوظبي الكلاسيكية»، وحفلات «بيت العود»، وهي تجسد موضوع البرنامج الموسيقي الذي تقدمه «هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة» هذا الموسم تحت شعار «الموسيقى والشعر».

سيرة

ولد فايز علي فايز عام 1962 في مدينة شرقبور الباكستانية، ويعد رائد موسيقى القوَّالي الصوفية الكلاسيكية، وكذلك خليفة للموسيقار الكبير نصرت فاتح علي خان، إذ يمارس فنَّ موسيقى القوَّالي الروحية المتوارثة عن الأجداد منذ 700 عام، تتلمذ فايز في هندوستان (شمال الهند) على الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الصوفية الروحية، وقدم العديد من التسجيلات للسوق المحلية في باكستان.

ولأنه من محبي «القوالي»، الموسيقى التقليدية الكلاسيكية، فقد سجل كأحد أهم المراجع لهذا النوع من الموسيقى، كما كان التأثير الكبير لنصرت فاتح علي خان واضحاً جداً في أعماله، وفي يونيو 2005، تعاون فايز علي فايز ومجموعة من فناني الفلامنكو الإسباني ميغيل بوفيدا، دوكوندي وتشيكيللو لأداء أمسية في مهرجان فاس الدولي للموسيقى الروحية، وأتت هذه الأمسية لتؤكد مدى الترابط التاريخي بين الفلامنكو والقوّالي في شبه القارة الهندية.

أمّا تشيكيللو فولد في برشلونة عام 1968، بدأ دراسة الغيتار عندما كان صبياً في أندية الفلامنكو الموجودة في برشلونة، ليصبح فيما بعد أحد طلاب مانوللو سان لوكار.