«بعد البداية» و«حالة عشق» و«دبي لندن دبي» صنعت منه قوالب نمطية مشوهة

«صحافي الدراما» خارج نطاق الموضوعية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ذاكرة الدراما العربية وقوالب شخوصها وسماتها طالما وقعت في فخ التأطير والاستنساخ الهزيل لنماذج محددة، وبمرور الوقت خرجت تلك النماذج من بوتقة الخيال، لتمتزج بالواقع كبطاقة تتلبس الشخصية وأدوارها في الحياة، فعلى سبيل المثال الطبيب النفسي يحتاج لمن يفك عقده المتشابكة التي تصل إلى حد اتهامه بالجنون في العديد من الأعمال الدرامية القديمة، ولعل شخصية الصحافي هي حلقة أخرى في مسلسل هذه التشويش، والتي تميل لرسم ملامح غير سوية فهو غالباً انتهازي، مستغل، سمج، وكأنه محكوم على هذه المهنة أن تواجه المتاعب حتى من قبل التناول الفني أيضاً!

هذا الموسم أسقطت الأعمال الدرامية العربية والخليجية الكثير من الصفات المشوهة لمفهوم شخصية الصحافي ودوره المهني والاجتماعي ومنها مسلسل (بعد البداية)، حيث تقوم الممثلة درة بدور صحافية تسعى إلى الوصول إلى مناصب أعلى وترقيات من خلال «الواسطة» والمحسوبية، ومسلسل (حالة عشق) الذي ناقش شخصية الصحافي لكن من خلال إبراز شخصية غير سوية، وهو دور الصحافي المرتشي الذي كون ثروته من الرشوة، في حين تتطرق مسلسل (دبي لندن دبي) لشخصية الصحافي الذي نشر خبراً مفبركاً، لأنه حصل على بطاقتي دعوة للعشاء.

ليست ظاهرة

في تعليقه على ظهور شخصية الصحافي بشكل مكثف في دراما رمضان هذا العام، واتهام البعض بتشويه شخصيته، يقول محمد يوسف رئيس جمعية الصحافيين الإماراتيين، إنه من الطبيعي أن تتناول الدراما التلفزيونية شخصية الصحافي، فكل شخصية مؤثرة في المجتمع لابد أن تجد مكاناً لها درامياً، ومن جانب آخر لا يمكننا الجزم بأن تلك الشخوص بسماتها السلبية للصحافي في مسلسل خليجي واحد عرض هذا العام هي ظاهرة لابد من التوقف عندها، فالواقعية تقر الخير والشر أو كلاهما كما أن اهتمام الدراما التلفزيونية بمهنة الصحافة والإعلام بوجه عام ناتج عن الدور الكبير الذي يؤديه الإعلام، خصوصاً في الفترة الأخيرة، وعليه ندعو كتاب الأعمال الدرامية للتحقق من كافة جوانب الشخصية وانعكاساتها على الجمهور المشاهد وخاصة من الجيل الجديد.

صورة سطحية

وترى الكاتبة الإماراتية عائشة سلطان، أن العديد من نماذج الدراما العربية صارت واقعة في فخ (النمطية) السيئ، وهي تؤسس للشخصيات التي تستلهمها، فهناك شخصية المعلم المفترى عليها دائماً، وهو تكرار يعتمد على اجترار نسخ درامية مكررة لا يثري هذه الشخصيات (إنسانياً)، وإنما يجردها من كل شيء حتى الأدوار الحياتية التي تقوم بها.

والمؤكد أن هذه الصورة السطحية على شاشات التلفزة والسينما تركت آثاراً انطباعية غير سوية لدى جمهور الدراما، ربما يفسر لنا تلك النظرة الخاطئة أحياناً لمن يشتغلون بمهنة الصحافة وعدوى (الحساسية) الزائدة في التعامل معهم، وهو ما جعل مأساة الصحافي مضاعفة ما بين الدراما التي لا تعترف به إلا بالطريقة (الغريبة) التي تنظر بها إليه وما بين التعامل الحياتي اليومي الذي ينظر إليه بعين الدراما نفسها حتى ولو كان لا يصدقها.

تكريس الوهم

وأوضح مروان الحل مدير الأخبار الاقتصادية في شبكة قنوات دبي، أن الدراما لدينا قبل أن تكون ذات إشكالية معرفية تعيش مشكلة ثقافية أيديولوجية، والخطاب الدرامي عندنا ولد لكنه ظل رضيعاً لم تأخذ الظروف الثقافية والفكرية والاجتماعية بيده نحو النمو. والخلط بين الواقعية والتشوية لا يزال مستمرّاً في أذهان الكثير من صناع الدراما العاملين في الحقل بل وبين المتلقين أنفسهم، الأمر الذي أفضى بدوره إلى توافر عيوب كثيرة في مسيرة هذه الدراما التي ربما جنحت في أحايين كثيرة ودونما وعي إلى تكريس الوهم، بينما من سمات العمل التنويري أنه يشق طريقه ومساره لكي يلغي الوهم.

الخطاب المتغير

ويقول محمود العوضي مدير مكتب إيلاف الإقليمي، إن الدراما ليست للتسلية والترفيه فقط، بل هي تنوير وخطاب تغيير وتجربة يومية تمارس لأجل خلق التوازن بين الإنسان وواقعه، وبين الإنسان والطبيعة من جهة، والإنسان ونفسه من جهة أخرى، وإذا غابت كل هذه الرؤى والمنطلقات لا يبقى شيء يعمل على تحريك نموذج الفن في عقل المشاهد، وعندما نأتي لمسألة أهم وهي الكتابة التلفزيونية التي تتطلب خبرة بخصوصية الوسيلة نرى أن دور النص في الدراما التلفزيونية يأتي في مرتبة ثانية لاعتماد الكتابة التلفزيونية على الجانب البصري، فضلاً عن العناصر التقنية الأخرى التي لا تتغاضى مجتمعة عن احتياجات المجتمع الفكرية والجمالية.

ترهل فني

يعتقد مصطفى الزرعوني مدير تحرير الخليج تايمز، أن الترهل الفني السطحي في تناول شخصية الصحافي في الدراما، يعود إلى غياب الرؤية، أي أنها تقدم ثقافة المسلسلات  الميلودرامية التي يسمونها في أميركا (أوبرا الصابون)، وهي  رثة تتوافق مع تشكيل مجتمع استهلاكي غير منتج، وغالبية أفكار هذه الدراما لا تخرج عما يطرحه كتاب الأعمدة الصحافية. ويوضح أنه لا يستهين بهذه المشكلات، لكنه يتحفظ على الطريقة التي تعالج بها، حيث تطرح كنتيجة ولا تحاول مساءلة الأسباب، وإلى مضمون تلك الأعمال الذي لا يؤدي إلى إنتاج معرفي.

Email