أسهمت الشبكة العنكبوتية في تعظيم الأثر الاتصالي للعملية الإعلامية برمتها في شتى أنحاء العالم، ورغم ما أحدثته من تفوق وقفزات في النشر الألكتروني، الا أنها هزت عروشا للصحافة التقليدية فأغلقت أبواب بعضها فيما يقاتل البعض الآخر من أجل الصمود.

وكان أواخر القرن العشرين قد شهد تطورات هائلة في مجال الاتصال ووسائل الإعلام، وأهمها ظهور الشبكة الدولية "الانترنت"، حيث استخدمت هذه الشبكة في البحث العلمي ونقل المعلومات، والقفزات الكبيرة التي حققتها في النشر الالكتروني، فأصبحت ثورة تكنولوجيا المعلومات بمثابة مكتبة لكل باحث في أي تخصص، حيث ازدادت القاعدة الجماهيرية لهذه التكنولوجيا من مختلف فئات المجتمع، ولا شك أن هذه التكنولوجيا قد أثرت في مظاهر مجتمعية عديدة بما أفرزته من تقنيات ووسائل مستحدثة، وتراجع دور الصحافة كحراس بوابة تقليدية.

وطبقا لبحث نشره الباحث الأميركي مارك ديويز حول تاريخ الصحافة الإلكترونية فإن أول صحيفة في الولايات المتحدة تطلق نسخة إلكترونية كانت شيكاغو تريبيون عام1992، شيكاغو أون لاين. وهناك علاقة واضحة وكبيرة لتكنولوجيا الاتصال بالمجال الصحفي، بسبب زيادة أهمية قيمة المعلومات، وسرعة جمعها، وطرق معالجتها، وطريقة توزيعها واستقبالها، وهي مهام من صميم العمل الإعلامي والصحافي.

تعريفات متعددة

وتعددت تعريفات الباحثين وأساتذة الإعلام لمصطلح الصحافة الإلكترونية بسبب اختلاف السمات والوظائف الإعلاميـة بين أنمـاط الصحافة الإلكترونية وبحسب درجة استفادتها من التكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل، الأقمار الصناعية، الاتصالات الرقمية، الاتصالات السلكية واللاسلكية، الوسائط المتعددة.

وظهرت في القرن الماضي عدة نظريات ومفاهيم حاولت وضع تعريفات بشكل عام ومنها بأنها "الوسيلة الرئيسية التي تقوم بالاتصال بين البشر من خلال أهداف محددة توضع عن طريق تخطيط متقن بغرض التعريف عما يجري داخل الوطن الواحد بواسطة الأخبار والأنباء المختلفة الأنواع والتعليم والترفية وإشباع رغباتهم في فهم ما يحيط بهم من ظواهر".

ولو حاولنا وضع تعريف للصحافة الإلكترونية فيمكننا القول انها: نوع من الاتصال بين البشر يتم عبر الفضاء الإلكتروني، الإنترنت وشبكات المعلومات والاتصالات الأخرى، تستخدم فيه الفنون وآليات ومهارات العمل في الصحافة المطبوعة مضافا إليها مهارات وآليات تقنيات المعلومات التي تناسب استخدام الفضاء الإلكتروني كوسيط أو وسيلة اتصال بما في ذلك استخدام النص والصوت والصورة والمستويات المختلفة من تفاعل مع المتلقي، لاستقصاء الأنباء الآنية وغير الآنية ومعالجتها وتحليلها ونشرها على الجماهير عبر الفضاء الإلكتروني بسرعة.

كما ساهمت شبكة الإنترنت في تعظيم الأثر الاتصالي للعملية الإعلامية من خلال توافر عناصر مسموعة ومقروءة ومرئية بالإضافة لتحول أغلب وسائل الإعلام التقليدية إلى مواقع إلكترونية. وظهرت مصطلحات جديدة ومنها: صحافة الإنترنت: لم يظهر لها تعريف شامل متكامل، حيث يطلق عليها البعض صحيفة الويب بما أن الصحف التقليدية تطبع على ورق فإن صحافة الإنترنت تضع مادتها على الشبكة وجاءت بتسمية أخرى عرفت بالصحافة الإلكترونية. والمواقع الإلكترونية: تعرف بـ Web Sites ويتم الوصول إليها عبر عنوان الموقع.

نشوء وتطور صحافة الإنترنت

ظهرت صحافة الإنترنت وتطورت نتيجة شبكة الإنترنت العالمية التي جاءت ومزجت بين ثورة تكنولوجيا الاتصالات وثورة تكنولوجيا الحاسبات بما يعرف بالتقنية الرقمية، وهذه الثورة في الاتصال والمعلومات ألقت بظلالها على الصحافة المطبوعة كجزء من منظومة وسائل الإعلام التقليدية، وبدأت ترتبط من خلال شبكة الكمبيوتر بشبكات البث الإعلامي الدولي، ولم تمض على ظهور الإنترنت سنوات حتى امتلأت الشبكة الدولية للمعلومات بعدة مواقع تعتبر نسخا إلكترونية لصحف ورقية تنشر المواد الإعلامية التي تقدمها الصحيفة الورقية.

ونشأت الصحافة الإلكترونية في منتصف عام 1970 عبر تقنية التليكست والفيديوتكس في مؤسستين إعلاميتين بريطانيتين هما BBC ,IBA لكن لم يلق الاهتمام المطلوب إلا بحلول عام 1980، حيث بدأ ظهور الصحافة الإلكترونية في شكلها الجديد استجابة للتغيرات التي شهدتها بيئة الاتصال الجماهيري بظهور شبكة الانترنت وما ترتب عليها من استخدامات إعلامية ضخمة أثرت في معطيات الوسائل الإعلامية التقليدية وخاصة الصحافة المطبوعة على الصعيد المهني والاقتصادي، حيث تكون لهذه الشبكة قاعدة كبيره من الجماهير من جميع فئات المجتمع.

من هنا تتبين لنا من امتزاج الإعلام بالتقنية الرقمية صحافة الانترنت، حيث حققت وأضافت لنفسها ما لم تستطع فعله الصحافة المطبوعة في عقد من عمرها، كما قدمت صحافة الانترنت مكاسب عديدة للمهنة الإعلامية وللجمهور بالإضافة للمعلنين والطبقة السياسية ومروجي الأفكار، وذكر كثير من الباحثين عن هزيمة الصحافة التقليدية ونهايتها، كمـا تنبأ فليب ميـلر أن عـام 2040 سـيكون هجـرة قراءة الصحف الورقية للصحافة الالكترونية.

ففي العقد الأخير من القرن الماضي أصبح للانترنت دور بارز في نشر المواد الإعلامية بجميع صورها وأشكالها وبعدة لغات وكان على رأسـها الصحف، ففي عام 1992 أنشئت أول صحيفة الكترونية في الولايات المتحدة وهي شكاغو أون لاين وفي كلية الصحافة والاتصال الجماهيري في جامعة فلوريدا أنشئت موقع Palo Alto Online، وبعـدها توالت عدد من الصحف الالكترونية واتجهت الصحف الأميركية اليومية للنشر الالكتروني وحتى نهاية عام 1994 أصبح عددها 60 وفي عام 1996 أصبح 368.

ومن الصحف التي أنفقت ميزانيات ضخمة على تنفيذ مشروعها الالكتروني عشرات الملايين هي صحيفة واشنطن بوست.

 

ميزات جديدة

زادت الصحيفة الإلكترونية من تجديد شباب روح العمل الصحفي، بالإضافة لتطوير الأداء الصحافي، وخلق ممارسات صحفية جديدة، ووجد الصحافيون أنفسهم أمام نظام تكنولوجي جديد ومسؤوليات جديدة، وبدأ استخدام الكمبيوتر كأداة للجمع والتقصي عن معلومات للوصول إلى مصادر عدة وجمع المعلومات والبيانات والوثائق، وإن لم يتحول هذا الأسلوب بشكل عام في كل الصحف، بسبب اختلاف المجتمعات والإمكانيات.