فيما بدا تصرفا "شعبويا" يشير إلى انحيازه إلى جانب التيار الشعبي الفنزويلي، وصل الرئيس الفنزويلي بالوكالة نيكولاس مادورو إلى مدينة باريناس، مسقط رأس الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز، وهو يقود حافلة بنفسه، وذلك في اليوم الأول من حملته الرئاسية، فيما جرى سحب يانصيب على حافلة جديدة في اطار حملة جمع تبرعات من جانب مؤيديه، الأمر الذي وجدت فيه وسائل الإعلام الفنزويلية رمزا يؤكد فيه مادورو للشعب الفنزويلي جذوره العمالية وبدايات عمله كسائق حافلة.
ورجحت مجلة "تايم" الأميركية، في تقرير لها عن الحملة الانتخابية الرئاسية في فنزويلا، أن يعمر إرث شافيز وشعبيته بعد غيابه، الأمر الذي يجري تأكيده، بحسب تعبيرها، بتقدم قيادة سياسية تبدو في مظهرها وحديثها ومعتقداتها مثل أغلبية الفنزويليين الفقراء. وكانت استطلاعات الرأي الأخيرة قد أشارت إلى فوز مادورو في الانتخابات الرئاسية المقبلة بفارق مريح.
وكانت حملة مادورو قد بدأت بالفعل لحظة وفاة شافيز في 5 مارس الماضي، عندما أدى اليمين الدستورية كرئيس بالوكالة، ومن ثم مع تحول مأتم شافيز إلى حملة انتخابية له، في ظل حضور معظم رؤساء دول أميركا اللاتينية.
صعوبة الدرب
لكن مجلة "فورين أفيرز" التي ترجح فوزه بالانتخابات المقرر إجراؤها في 14 أبريل الحالي، تؤكد أن الدرب لن يكون سهلا أمامه، فهو تنقصه الكاريزما والشعبية التي كانت لسلفه، على الرغم من موهبته السياسية وقدرته على عقد التسويات، وتشير، في هذا السياق، إلى أنه على عكس شافيز الذي كان متواصلا مع الناس عبر وسائل الإعلام وتقنيات التواصل الحديثة.
فإنه يبدو أقل اهتماما بهذه الوسائط الاجتماعية، وترجح أن يعتمد في رئاسته، بالتالي، على دعم شبكات الرعاية والبرامج الاجتماعية للحكومة. لكن مادورو أخيرا في محاولة منه للسير على خطى شافيز، دشن حسابا على موقع تويتر، وخاض أول حرب كلامية ضد الرئيس الكولومبي السابق البارو أوريبي ،الذي انتقده لوصفه المعارضة الفنزويلية بورثة هتلر، فرد عليه: "ورثة فخامتكم؟ هل هذا أفضل؟".
يرى البعض أن مادورو يستفيد من موجة التعاطف التي تسببت فيها وفاة شافيز، وهو الذي يكرر ذكره في حملته الانتخابية كثيرا، حيث أفادت تقارير إعلامية للمعارضة أنه ذكر اسم شافيز 34567 مرة في 16 يوما فقط. ويقول المحلل السياسي الفنزويلي لويس فيسنتي ليون :"نظرا لأن السباق الانتخابي قريب جدا من وفاة شافيز، فإن المشاعر ملتهبة، وربما سيظل المرشح الفعلي شافيز وليس مادورو".
لكن مادورو كان الأقرب إلى شافيز ،على مدى سنوات طويلة، فهو قاد التظاهرات التي طالبت بالإفراج عن شافيز عام 1994 ،عندما اعتقل في أعقاب فشل محاولة الانقلاب التي قادها عام 1992، وهو الذي ساهم في تأسيس "حركة الجمهورية الخامسة" التي ترشح تحت ظلها شافيز للرئاسة عام 1998، ولمادورو تاريخ سياسي طويل، وبعد أن اصبح شافيز رئيسا للبلاد، عينه وزيرا للخارجية الفنزويلية عام 2006، ثم نائبا للرئيس. وشافيز بعد مرضه دعا الشعب إلى اختياره خلفا له.
خيار شافيز
ومع ذلك فمادورو ليس شافيز، لكن المحللين يرون أن ملايين الفقراء الذين تعلقوا بشافيز سينحازون إلى نائبه، لكي لا تضيع منهم مكتسباتهم. أما مجلة "فورين أفيرز" فترى أن مادورو، الواعي لضعفه والذي تنقصه شعبية سلفه، سيكون مجبرا على ابتكار وسن إصلاحات تجنب البلاد أزمة سياسية.
ومع انتخابه، ليس من المنتظر حدوث تغييرات كبيرة في بنية الحكم، ولا في سياسات فنزويلا، التي ترسخت خلال حكم شافيز. وطرده الملحق العسكري الأميركي من فنزويلا، واتهامه واشنطن بالتورط في خطة لزعزعة استقرار البلاد، ووقوفها وراء إصابة شافيز بمرض السرطان، مؤشر واضح على استمرار التوتر مع الجارة الأميركية.
ربما لن يستطيع مادورو أن يملأ الفراغ الذي خلفه شافيز، الذي كان زعيما له كاريزميته التي تجاوزت حدود بلاده في مواجهة الهيمنة الأميركية وفي السعي لبناء تكامل اقتصادي بين دول أميركا اللاتينية، لكن السؤال الأهم هو: هل سيتمكن من الحفاظ على هذا الميراث؟
سياسي عريق
بدأ نيكولاس مادورو حياته السياسية عندما كان سائق حافلة، حيث أصبح نقابياً عمالياً يمثل عمال نظام المترو في كاراكاس في ثمانينات القرن الماضي. وفي تسعينات القرن الماضي، ساهم في تأسيس حركة الجمهورية الخامسة، التي في ظلها ترشح شافيز للرئاسة في عام 1998.
انتخب على لائحة الحركة عضواً في مجلس النواب عام 1998، وفي الجمعية التأسيسية عام 1999، وفي الجمعية الوطنية عامي 2000 و2005. ولقد انتخبه المشرعون رئيساً للجمعية الوطنية من 2005 إلى 2006، حيث عينه شافيز بعد ذلك وزيراً للخارجية من أغسطس 2006. وفي 10 أكتوبر 2012، اختاره الرئيس شافيز نائباً له بعد ثلاثة أيام من فوزه في الانتخابات الرئاسية.
وفي ديسمبر 2012 دعا شافيز الشعب الفنزويلي إلى انتخاب مادورو في حال تراجعت صحته، وأصبح مادورو الرئيس بالوكالة بعد وفاته. وهو متزوج من سيليا فلوريس، المحامية البارزة التي حلت محل مادورو كرئيسة للجمعية الوطنية في أغسطس 2006، عندما عين وزيراً للخارجية، وكانت المرأة الأولى التي تعين في هذا المنصب للفترة 2006 إلى
