إذا كانت قصة الصحابي عمر بن الخطاب، والدعوة إلى الإسلام عموما، معروفة للجميع من خلال البيت أو المدرسة أو حتى المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية والكتب، فإن المهمة التي يجب أن تضطلع بها الدراما التلفزيونية الجديدة في هذا الخصوص، تكمن، في المقام الأول، في التركيز على التفاصيل، وتعريف المشاهد العادي بها والنبش فيها وإظهارها بأكبر قدر ممكن، لا بل إننا لا نجازف بالقول إنها من هنا تستمد شرعيتها الوحيدة، طالما لا تضيف جديدا على مستوى المضمون.

قراءة وانتقادات

كلما زادت جرعة القراءة النقدية، كان العمل المقصود يرقى إلى مستوى إثارة الأسئلة والنقاش. وبالتالي، فإنه يستحق القراءة والنقد، ومن أكثر القراءات والانتقادات التي ظهرت في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، أخيرا، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لتلمس ملامح مسلسل (عمر).

ولكن يبقى الملمح الأبرز في جميع هذه القراءات يدور حول سؤال واحد: ما مدى صحة تجسيد الصحابة عموما والعشرة المبشرين بالجنة منهم خصوصا، على شاشة التلفزيون؟ لكن عطفا على ضرورة العناية بالتفاصيل في هذه الحالة الدرامية "مسلسل عمر"، فإن العديد منها يبدو غائبا عن المشهد في هذا الانتاج التلفزيوني الضخم، وربما غير المسبوق، والذي أودع الناس من جمهور المتلقين ثقتهم بمؤلفه الدكتور وليد سيف ومخرجه الفنان حاتم علي.

لا أحد يستطيع ادعاء الإلمام بكافة جوانب المسلسل والقدرة على القيام بقراءة شمولية متكاملة له، إلا أنه تبقى الملاحظات تطرح متفرقة من هنا وهناك، مضمنة في هذه المقالة أو ذاك الحوار، وهذه الملاحظات تبقى مفتوحة للنقاش العام رغم وجاهتها في نظر أصحابها، مع الأخذ في الاعتبار أن طرحها يأتي في سياق الاهتمام بالعمل، وربما الاستمتاع به أيضا.

حوارات درامية

الملاحظة الأبرز التي يمكن رصدها في هذا الاتجاه تتعلق بأن العديد من الحوارات الدرامية يغيب عنها صيغة المخاطبة بأسماء الأشخاص المتحاورين أو بعضهم، أو حتى واحد من الأشخاص المشاركين في تلك الحوارات أو الأحداث التي كان لها أثر بالغ على مجريات الأحداث في المحور الرئيسي لقصة العمل، على غرار الشخص الذي دخل الكعبة ومزق الوثيقة التي اتفقت بمقتضاها، عشائر قريش، على محاصرة بني هاشم، وقطع موارد الرزق عنهم، عقب حمايتهم ونصرتهم للرسول الكريم، في بداية الدعوة، علما أن هذا الشخص نفسه، هو من حمى عمر بن الخطاب من بطش زعماء قريش، بعد أن أسلم.

وفي الحالتين بقي اسمه في حوار المشهد الدرامي غائباً، وبينما كان اسم هذا الشخص قد ذكر مرة واحدة في الحلقات الأولى، نجد ان اسمه يغيب عندما يقوم بأبرز عمل في حياته، ربما.

ذلك على الرغم من أن ما جرى في الكعبة في تلك اللحظة الفارقة، حدث على مرأى الجميع ومسمعهم، وفي المقدمة منهم وجاهات قريش، ما يشير إلى المكانة العظيمة التي كانت تتمتع بها تلك الشخصية.

سلاسة وانفصام

هذه الحالة فيما يتعلق بغياب المخاطبة بالاسم ليست الوحيدة في المسلسل، بل إنها تتكرر مرات عديدة كما يحصل بالنسبة للشخصيات اليهودية، على سبيل المثال، التي تبقى مجهولة الهوية مع أن الحوار الذي تخوضه يفضي إلى حدث مهم.

لغة المسلسل جميلة وتستمد ألقها من كونها مستوحاة من الفصحى المستساغة غير المتكلفة، ولكنها تنطوي على ملاحظة أيضا، حيث لا يشعر المتلقي بالفوارق الموضوعية بين اللهجتين التي كان الناس يتكلمونها في المدينة ومكة اللتين شكلتا ثنائيا لا انفصام في عراه، على مر تاريخ الجزيرة العربية.

 

بيئة

 

البيئة الدرامية للعمل لا تخلو، بدورها، من الملاحظات، فرغم الغنى المعروف الذي كان يتمتع به أهل مكة، كما تدلل مشاهد العمل وإيحاءاته، إلا أن البيئة الدرامية لم تعكس حالة الثراء تلك، لا بل إن الصورة تشي بحالة أكثر ثراء كان يعيشها أهل المدينة، الأمر الذيد بدا واضحا في ملامح العمارة والسوق وكثرة أشجار النخيل.