يدور همس مكتوم بين أهل الصحافة، بينما يحاول البعض طرح سؤال صعب: هل تقضي الصحافة الإلكترونية على الورقية، ان لم يكن حاليا، فهل يحدث ذلك في المستقبل القريب؟ يعتقد الخبراء أن الصورة بعد عشرة أعوام أو عشرين عاما ستكون مختلفة تماما عما هي عليه الآن، لكن يجمع الخبراء أنه لا يمكن للصحافة الورقية أن تختفي تماما، والسبب أن هناك فريقا يرى الصحيفة المطبوعة على ورق معمرة، وهي الآن الحاضرة على الدوام، مهما اشتد من حولها الزخم والزحام.
وهناك فريق آخر يرى ان الصحيفة المكتوبة على ورق باقية، أما الصحيفة المكهربة على الكمبيوتر فهي فوارة، وهي مثل كل فوران متلاشية.
وهناك فريق ثالث يرى ان الصحيفة المكتوبة على ورق بناء صلب وهكذا كل بناء، اما الصحيفة الإلكترونية فهي صيحة متغيرة خاطفة ولامعة وبارقة.
وهناك قاعدة يجب ان يعرفها الجميع، فالقارئ لا يريد ان يدفع مقابل معرفة الخبر، هذه هي القاعدة التي يجب ان توضع في الاعتبار، فصراع الحياة جعل القارئ يصرف النظر عن شراء الصحيفة الورقية ويفضل عليها الصحيفة الإلكترونية، لأنه في الأولى سيدفع ثمن الصحيفة، اي ثمن معرفة الخبر، أما الصحيفة الإلكترونية فلن تكلفه شيئا.
والبدائل المطروحة أمام الصحافة الورقية هي:
* التوزيع المجاني: مع بدء شمس الصحافة الورقية في الأفول، حيث لم يتبق أمام بعضها سوى غرفة الإنعاش، فأن التوزيع المجاني يستند على فكرة ضخ أموال للصرف على الصحيفة من خلال الإعلانات دون النظر إلى ثمن الصحيفة التي ستكون بالمجان، كي تستطيع الاستمرار ومواجهة التحدي المتزايد من قبل الصحافة الإلكترونية.
فالصحيفة المجانية تمول من الإعلانات بشكل كامل، وتحتوي على جميع الأبواب، سياسية، ورياضية، واقتصادية. لكن الصحف الورقية المجانية فشلت في اكتساب المصداقية لدى القارئ، لأنها تعتمد وتتبنى وجهة نظر المعلن، الذي هو بمثابة الممول للجريدة، إلى جانب اعتماد تلك النوعية من الصحف على الإثارة.
* الحل الآخر يتمثل في التنوع بشكل الصحيفة "التابلويد" الذي قد يحسن مبيعات الصحيفة، فالتنوع في الشكل وطريقة الإخراج قد يجعلان لها اتباعا. فلا العناوين الساخنة ولا أخبار الإثارة هي التي تجتذب القارئ، ولكن اسم المؤسسة الصحافية يصنع المصداقية.
والإخراج الصحافي عامل أساسي حاليا في جذب القارئ للصحف الجديدة التي تريد صنع مصداقية. فالاتجاه العالمي السائد يطلق عليه tagabine أي الاهتمام بالصورة الكبيرة التي تأخذ صدر الصفحة الأولى في الصحيفة الورقية.
صورة تكون لها دلالة وتعبر عن الحدث بأفضل شكل، فتصدر الصورة الكبيرة الصفحات الأولى للصحف اليومية هي الموضة العالمية السادة حاليا.
* يجب على مسؤولي الصحف الاهتمام بجودة الصورة ونوعيتها والبعد عن التقليدية والاستقلالية في استخدام الصور الصحافية. فالصورة اهم شيء يلفت نظر القارئ في أي صحيفة، وعلى الصحف الورقية استخدام الجداول والخرائط التي تسهل على القارئ التعرف على الفرق بين شيء وآخر، حتى يستطيع تمييزه، والهدف هنا هو الاستفادة من (الجرافيك) بأن تضيف بعدا آخر للقارئ، وهذا ما لا نجده في أغلب الصحف الورقية في منطقتنا العربية.
* على الصحف الورقية ان تستخدم الرسومات المعلوماتية التي توضح ظاهرة أو تلخص مجموعة أرقام في موضوع معين، وهذا يشكل أزمة مثلها مثل أزمة الصور المعبرة بحرفية شديدة عن الخبر المكتوب. وهذه قد تكون وصفة علاج للصحافة الورقية التي تحتضر في غرفة إنعاش صاحبة الجلالة الصحافة، لأن الزمن المقبل والمستقبل يفتح ذراعيه للصحف الإلكترونية التي استطاعت ان تسحب البساط من تحت اقدام الصحف الورقية ببراعة شديدة.
لذلك يمكن القول لكل اتباع الصحف الورقية: عفوا هذا الزمن والزمن المقبل هو زمن الصحف الإلكترونية !!
مقاولة استثمارية
الصحيفة، كانت مستقلة أو تابعة لفئة خاصة أو حزب، تعتبر بمثابة مقاولة تجارية واستثمارية، رأسمال يضاف إليه عنصر بشري مؤهل، مخطط، واستراتيجيا، يهدف الرقي، بفعل القراءة، والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني.
فليس من المنطق أن تقوم شركة توزيع للصحف بشحن وإفراغ الحمولة ذاتها كل صباح على شكل "مرتجعات"، كما أنه ليس من المنطق أن ينتظر "زبون" في طابور قد يتجاوز 30 فردا من أجل ان يغتنم فرصة تصفح صحيفة "مجانا "بمقهى عام بمدينته.
واذا كانت المجانية تفسد الأذواق، هل يختار" زبون المقهى" جريدته المجانية، التي تراعي ميولاته، وتحترم انتماءه السياسي والثقافي كل صباح ؟ هل تقبل شركة توزيع الصحف ومعها " الصحيفة" أي صحيفة، مبدأ القراءة المجانية ؟ ما مدى مصداقية فعل تصفح "صحيفة" في الأصل، دونما رغبة في قراءتها؟
حينما تكون صحيفة "لسان حزب" مفروضة على "قارئ زبون" هل تصل الرسالة؟ ما تداعيات فعل "اقرأ مجانا" خمس صحف يومية، اقتصاديا فكريا وسياسيا ؟ ما حجم ومدى خطورة قرار بعض المثقفين من أساتذة الجامعات الاكتفاء بقراءة صحفهم المفضلة وغيرها مجانا بالمقاهي، بدل تصفحها عبر الإنترنت، أو اقتنائها من الأكشاك، ما مصير الأكشاك المخصصة لبيع الصحف وشركة توزيع الصحف ؟
وأخيرا لمن سننتصر، كفاعلين إعلاميين، لتحبيب القراءة لجمهور المقاهي، هل من حق الشخص في الخبر والإعلام دون مقابل، أم تأجيج وإرباك تنامي إفلاس منابرنا الإعلامية، كمقاولات، مع ما يطرحه الوضع من خطورة على الاقتصاد الوطني؟ أسئلة مربكة وغيرها، نطرحها على أنفسنا، ونحن نتابع كمهتمين، ما يجري على الساحة هنا الآن، حيث برزت "القراءة المجانية للصحف" مع ما يمكن أن تفرز من تداعيات آنية ومستقبلية ليس على فعل القراءة فحسب ولكن على مستقبل الإعلام الورقي برمته.
سيما وان المؤتمر العالمي للصحف الذي عُقد في مدينة سيئول أخيرا، أثار تساؤلات حول مستقبل الصحف المطبوعة، في ظل انخفاض الإقبال عليها وتزايد انتشار الصحف الإلكترونية. صحيح ليست كل الصحف تقرأ بالمقاهي.
فهناك من يعتبر "القراءة المجانية" فكرة نبيلة في الجوهر، وقد نجح بعض الناس في تفعيلها، برغم أنها كلمة حق أريد بها باطل، ليس لأنها تربك حساب الاستثمار فحسب، ولكنها أفرزت سلوكيات محتقنة، فالقول برفضها يفضي إلى تجن ملحوظ، والتلميح بقبولها فيه نوع من الالتباس. ويؤكد المراقبون: "أن التوجه العام لقراءة صحف المقاهي لا يخرج في الغالب عن 5 عناوين على الأكثر"، موضحين أن "هناك نفورا تاريخيا من بعض الصحف.
وهي منبوذة من طرف شريحة واسعة من القراء ومن أصحاب الفكرة أنفسهم، ثم ان حملة الصحف المتجولين يعبثون أيضا على نحو ما".
ويبدو أن الاقتناع بثقافة الاستهلاك المعولمة، وانفتاح المناخ السياسي، خصوصا الحق في التعبير وإبداء الرأي، من العوامل التي ساعدت على بروز الظاهرة.
على انه ينبغي الإشارة الى أن المقاهي لا توفر جميع الصحف، هناك مابين 2 إلى 5 عناوين يومية تتكرر دائما في الصحف.
