حادثة غريبة تلك التي حصلت مع طبيبٍ نفسيّ مشهور، حين قدمت إليه في يومٍ من الأيام فتاةٌ حزينة على أبيها الذي يعاني اكتئاباً حاداً لا تعلم له سبباً !!
كانت العائلة قد انتقلت للحيّ الذي يقطن فيه الطبيب، قادمة من إحدى الضواحي، حينها لاحظت الفتاة انزواء أبيها المتقاعد عن أفراد العائلة وقلة حديثه معهم وكثرة غيابه عن المنزل، خاصةً في فترة النهار. وقد باءت محاولات العائلة لمعرفة سبب هذه الانتكاسة بالفشل، لذا كان اللجوء للطب النفسيّ الخيار الوحيد لديهم.
لم تكن مهمة الطبيب النفسي سهلة، لكنها وصلت في النهاية لحجر الأساس في المشكلة، فالشقة التي انتقلت العائلة إليها في المدينة كانت محاطةً بعددٍ من الأبراج الشاهقة التي تحجب عنها ضوء الشمس، لذا فقد كان الأب يهرب منها غاضباً إلى إحدى الحدائق بحثاً عن حضن الضوء الحاني.
كما أنه أخبر طبيبه أنه معتادٌ على شرب الشاي بفنجانٍ شفافٍ في حديقة منزله القديم تحت أشعة الشمس، ليستمتع بلونه الجميل، ثم يقوم إلى بعض الأعمال الخاصة به في المنزل والمجدولة زمنياً حسب مرحلة الضوء، فالفجر بالنسبة له مرحلة شحذ الطاقة والتخطيط، والضحى مرحلة الإنجاز ثم الظهر الذي يفضّل خلاله الراحة، ثم وقت الأصيل والغروب الذي يتفرّغ خلاله للتأمّل وكتابة بعض الملاحظات.
العلاقة بين الضوء والتركيب النفسي للإنسان ليس اكتشافاً حديثاً، بل ورد في بعض الأدبيات الطبية الهندية التي تعود لـ1500 قبل الميلاد، لكن المزاج الثقافي العام لم يمنح هذا الموضوع حقه، رغم وضوح تأثيره العام.
الضوء لاعبٌ رئيسٌ في تشكيل حالتنا المزاجية والإبداعية، كما أنه عاملٌ مؤثرٌ في الصحة العاطفية، فغيابه أو شحّه على سبيل المثال يتسبّب لبعض شعوب الأرض بما يسمّى اضطراب العاطفة الموسميّ، والذي يتربع الضوء على أكثر علاجاته فاعلية.
غالباً ما تتقلّب أمزجتنا بتغيّر الحالة الضوئية التي نختار أن ننتمي لها، فبعضنا ينسج من خيوط شمس الفجرِ مزيجاً من الأمل والحماسة والتصميم الصلب، وبعضنا ينتظرُ غياب الشمس ليهرب إلى تموّجاتِ ضوء القمر على الشاطئ، لكلٍ منّا علبة ضوءٍ مفضّلة لديه، لو أدركها جيداً لاستطاع تطويع مزاجه في أغلب الأحيان.
عزيزي القارئ، ألم تقف يوماً على جانب الطريق لتتابع بكل تركيز انكسار أشعة شمس الأصيل بين الغيوم وتشكيلها للوحةٍ أو أكثر من لوحات الطبيعة الفائقة الروعة؟
هل كان معكَ يوماً ما أحد الأصدقاء في هذه اللحظة وأحبطك موقفه عندما قال: وماذا في ذلك ؟ هذا هو بالضبط الفارق بين الفنّان المصور.. والإنسان العادي.
فلاش
لكل صورةٍ حديث، ولكل منظرٍ صوت، ولكل زاوية مختارة بنية مسبقة لالتقاط صورة.. قصة طويلة
