يأخذنا المخرج الدنماركي توماس فينتربيرغ في فيلمه «الصياد»، الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان إلى قلب التشويق في فيلم يأسرك منذ لقطاته الأولى، ويقبض على أنفاسك التي ستزداد سرعة كلما تقدم الفيلم في سرد أحداثه. تساؤلات كثيرة ستراودك، وربما تكون احدها ماذا لو كنت في موقع بطل الفيلم؟
ولن تتمنى ذلك بالتأكيد.فينتربيرغ يعود إلى موضوع سبق وأن قدمه في فيلم «الاحتفال»، وهو التحرش بالأطفال، حيث يعمل «لوكاس» (يؤديه مادس ميكلسن، الذي ربما لن يخطئ جائزة التمثيل عن دوره هذا) معلماً في مدرسة ابتدائية، وهو منفصل عن زوجته، ولديه ابن مراهق، كما لديه صديق مقرب جداً «ثيو» (توماس بو لارسن) يسكن في الحي نفسه، متزوج ولديه طفلان
.نقترب في اللحظات الأولى من علاقة هؤلاء ببعض، ونتعرف إلى مدى تشابك العلاقة بين الصديقين اللذين يفهمان بعضهما بلغة الإشارة أحياناً، كما نتعرف إلى «كلارا» ابنة «ثيو» التي لا تتعدى السابعة من عمرها، والتي تحب «لوكاس» وقفشاته، وتراه صباحاً في المدرسة، وغالباً في منزلها طوال اليوم، وتحب أيضاً اللعب مع كلبته، بل تود أن يوصلها إلى المدرسة يومياً لتحظى بفرصة اللعب أثناء الطريق.
أواصر متينة
في ظاهرها، تبدو الأواصر كلها متينة وجميلة، «لوكاس» العاشق للطفولة، والأطفال يبادلونه الحب، يلعب معهم باستمرار لعبة «الاستغماية»، كما يعشق اصطياد الغزلان البرية في أوقات إجازته القليلة. تنقلب الأحداث رأساً على عقب عندما تبدي كلارا امتعاضها للمشرفة من تصرفات لوكاس المريبة. هي تبدي كرهها للرجل، وتتهمه بالتحرش الجنسي.
لا تأخذ المشرفة كلامها على محمل الجد في البداية، ولكن يثيرها ذلك، وتقوم بمواجهة «لوكاس» الذي لا يُصدّق أن ذلك يحدث الآن.يهيئ المخرج كل الأجواء التي تجعل سياق الحدث، بما في ذلك متابعة المتفرج، خاضعاً لبراءة لوكاس من هذه التهمة الطفولية الساذجة. ما يحدث هو سلسلة من الكره، بل والرعب الذي يتكرّر في حياة لوكاس تباعاً.
وفي كرة الثلج التي أخذت تتضخم إلى حد الجنون؛ بدءاً من صديقه الأقرب الذي يدخل معه في عراك يصل إلى درجة الضرب المبرح؛ والمدرسة التي تعاقبه وتطلب منه البقاء في المنزل لحين تأخذ التحقيقات مجراها الطبيعي؛ والمدينة التي بدأت تزدري وجود مثل هذا الشخص المريض في وسطها، وصديقته التي بدأت تشك وترتاب في تصرفاته، والشرطة التي اقتحمت بيته، انتهاء بإلصاق تهم أخرى من أطفال آخرين إدّعوا تعرضهم للتحرش أيضاً بطريقة تماثل ما فعله مع «كلارا».
آفة ونكرة
فجأة؛ يتحوّل هذا المدرّس المحبوب والمقبول اجتماعياً من قِبل الجميع إلى آفة ونكرة يجب التخلّص من شرورها الدفينة، التي بدورها لوّثت قدسية المكان، والصداقة، وهتكت عذريّة الأصول الإنسانية الدارجة؛ وأصبح وجوده خطرا على العائلة، والمدرسة التي أمنوا أطفالهم لديها. حقد كبير وهائج في المدينة؛ وبطله عاجز عن التصرّف؛ ومستمسك بجدارة ببراءته، ومصّر على أن الطفلة كانت تتوهّم فقط.
تجري التحقيقات في الشرطة، ويتم اكتشاف أن ادعاء الأطفال لا أساس له من الصحة؛ حيث إنهم أدلوا بوصف لا ينطبق مع منزل لوكاس، المكان الذي جرت فيه هذه التحرشات. غير أن الهيجان لا يهدأ، ويظل يكافح حتى يُثبت براءته الكاملة.
