في أثناء دراستي الثانوية عرج أحد المدرسين على مضمون التصوير، ووقتها لم تكن تلك التقنيات قد اخترعت ولا المحسنات الضوئية والملحقات التي باتت أساسية لا يعمل المصور المحترف دونها رغم بقاء اسمها على ما هو عليه "ملحقات". أراد ذلك المدرس، وربما لولعه الشديد بالتصوير، أن يعلمنا بعض الفنون المنطقية للتصوير كفن يخرج من لدن مبدع مدرك للفارق الكبير بين مصور وآخر رغم امتلاكهما الأدوات نفسها.

فطلب منا بعد أن أقفل باب القاعة أن نصور ما وراء الباب فكانت هنا الصدمة كبيرة، حيث أعتقد الطلبة أن الأمر أشبه بالطرفة ولا يمكن أن يطبق على أرض الواقع رغم أن بعض الطرف يمكن تمثيلها على أرض الحقيقة إلا هذه لا يمكن تنفيذها وبالطبع وكما تعلمون بدأت القفشات والتعليقات تظهر خاصة من بعض الظرفاء في الفصل حتى وصل الأمر لأحدهم أن يقترح على المدرس أن يخرج الطلبة جميعاً خارج الفصل ليصوروا ثم يعودوا أماكنهم .

وبذلك يكونون قد اتموا المهمة! بالطبع لم يقصد المدرس في طلبه ما ظنه الجميع بالمعنى الظاهر كل ما هنالك أنه أراد أن يلفت انتباهنا إلى أن هناك عناصر فكرية لابد أن تتوافر في مخيلة المصور المحترف كي يصل إلى مرحلة الابداع الممزوجة بالغرابة التي تجبر المتلقي على التوقف أمام عمله، وأهم هذه العناصر هو إطلاق العنان لتخيل ما سوف يحدث أو لتصوير شيء لا يراه المصور إنما رسمه في مخيلته بناء على بعض المعطيات التي هي حوله.

وفي مثالنا الحالي لم يكن هناك أي طريقة لتصوير ما هو خلف الباب إلا ببساطة لو نهض أحدهم وفتح الباب وأخذ الصورة التي رآها وبأي وضعية يريد وقدمها للمدرس وفقاً لطلبه فلم يشترط المدرس أن يبقى الباب موصداً بل أراد أن يطلق العنان لطلبته لتدبير أمورهم إذا ما أرادوا التقاط صورة أن يفعلوا كل ما بوسعهم ذهنياً لتحقيق ما يريدونه حتى وإن كانت هناك عوائق فيزيائية لا يمكن تجاوزها، فقط فكر بطريقة مختلفة إن كنت حقاً تريد أن تنقل المتلقي إلى عالمك في الصورة التي تقدمها له، ودون ذلك ستبقى أعمالك ما بين صورة للذكرى أو تخليد لموقف أو صورة "والسلام".

الشاهد في الأمر أن هناك من يحاول أن يثبت أن الصورة ليست مجرد نقل واقع بل ربما هو نقل لمستقبل أو عودة آلاف السنين للوراء، فقط فكر كيف تفعل ذلك واستخدم ما تشاء من معدات وبرمجيات مساعدة متوافرة حالياً فنحن في وقتها لم نكن نعرف سوى "الزوم" ومحلات تحميض الأفلام.

فلاش

بما أننا حاولنا جاهدين إقناعك عزيزي القارئ في أكثر من مناسبة بأن التصوير ما هو إلا فن أصيل تتحقق فيه كل الأصول والشروط التي تجعل منه فناً، ما رأيك هذه المرة لو حاولنا سوياً أن نثبت أن التصوير أيضاً رياضة؟ لنفكر بها حتى موعد لقاء الأسبوع المقبل.