إرهاصات

خيول السرد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام الحلم النبيل، عام القراءة الجميل، تخصب الفكرة، وتصخب العبرة، وتعلو النبرة، وجياد السرد، تطيل السفر، في غابة الليوث والغيوث، والكلمات أشرعة، وأجنحة. وفي البياض، تهيم غيمة العطاء الأصيل، ويصير القص حكاية ووشاية وغواية ورواية، الصحراء المبجلة.

اليوم، والبيان في مبادرة جديدة تبيّن، رؤية مثل خيوط الشمس، وتمضي بالأمل نحو وجهة الذود عن القصة كخيمة للعشاق، وسحابتها الممطرة، أقلام من علموا أن لا وقت للتأجيل، لا زمن من دون تفعيل، المعاني، والإفادة عن خبر النصوح في بلادنا الحبيبة، بنثر أجنحة الفراشات الملونة عند أغصان الفن الرائع، فن القص، بما يتضمنه من ترسيخ للكتابة. كما هو تحريض للقراءة.. شروع جريدة البيان، بفتح نافذة للقصة القصيرة على صفحاتها، لهو ظفر جديد للإبداع الإماراتي.

ولأن القصة القصيرة هي الكثافة في المعطى، وهي الرهافة في التعاطي، رأت جريدة البيان أن تكون سبَّاقة في الأخذ بأسباب الانتصار لهذا اللون من الأدب.

ولأن الإمارات في السرد، ذروة الحكاية، ونخوة الصبا والصُّبابة وصبوة الفكرة والنجابة، كان لا بد لجريدة البيان أن تطفق وتطرق وتخفق بالنبض والحضن وأن تسير في مجرى الجدول العظيم، جدول التنوير الذي أصبح علامة التميز الذي حظيت به بلادنا، الأمر الذي دفع فرسان الجريدة بأن يتبوأوا منازل القصة القصيرة كونها، السراج، والمعراج إلى فضاءات التفوق، وإعلان التماهي، والحدث الرهيب الذي أنيط ببلادنا واستطعت أن تتحمل مسؤوليته بالتزام أخلاقي وإنساني لا مثيل له في عالم اليوم.

وأنا عندما اتصل بي الزميل العزيز الدكتور محمد عبد القادر سبيل، لينبئني عن خبر تخصيص صفحة لفن القص، شعرت أنه يأخذني إلى مكان عشبي قشيب، ليغمس أناملي، عند السنابل الدقيقة، ويهديني من خضرة الأيام، ما يعيد للقلب بعض أوراقه المتناثرة المبعثرة، عند نواحي الاستفهام العجيب، وكأن النداء كان صرفه في دعاء الروح الموحش، ضج وعج، وصار للرنين، موال بحري أيقظ الطير عند السواحل، وصحَّا المحارات في اليابسة، وقال للسحابة إن الأمطار إذا سالت وديانها، لا تغرق غير الموتى، أما الأحياء فهم الذين يحفرون في الأرض جداول لتنمو أحلام الشجر.

لذلك لا بد لنا أن نحتفي بهذا المنجز، ولا بد لنا أن نطفئ عطش الأيام القاحلة، ونقول لأحبائنا فرسان القصة القصيرة، لقد دق الجرس، ولا بد أن يكتمل النصاب، ويشمر الأحباب عن أقلام وأحلام، فلا وقت للتأجيل، وبلادنا بحاجة إلى حبر يلوِّن المرحلة، ببوح الطير، ولا بد وأن يعود المسافرون، بعد غياب طويل، إلى موائل الولاء لهذه الحسناء القصة القصيرة.. ولا يجب أن ننظر كثيراً، لا يجب أن نخفض الجفون، والمطر شغوف لبلل الرموش، لا يجب أبداً أن ندع العربات تسير فارغة، فالضجيج مزعج، ومؤذٍ. وأنتم يا سادتي، جديرون بأن تملأوا الوعاء، بأجمل ما في النجوم من بريق، وأفضل ما في السحابات من بلل، وأكمل ما في السماء من رحابة، وأنبل ما في الأرض من اخضرار..

ونحن إذ ندعوكم، فلأننا نحلم وأحلامنا مرهونة باستجابتكم وتعاطيكم، مع هذا »الفتح البياني«، الذي نتمنى له أن يكون البداية، لخطوات أشمل وأوسع، وأكبر، القائمون على هذا المشروع، جديرون بهذه المهمة الوطنية، ونحن معهم في هذه الورطة اللذيذة، وما الكاتبة إلا فعل المجازفة، والجلوس على أغصان شجرة، تقف في وجه الريح.

Email