يعيش عالم اليوم عصر العولمة التي تنزع إلى توحيد العالم في مختلف المجالات كالسياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة، وهو توحيد يحمل مخاطر جدية تهدد بإلغاء التنوع الثقافي، الأمر الذي يجعل من موجبات الحوار مع الآخر أكثر إلحاحاً مما كانت عليه في السابق.
ولكن يرى السيد يسين في كتابه «جدل الحضارات.. ثلاثية الحوار والصراع والتحالف»، الصادر عن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، أن حوار العرب والمسلمين مع الذات لابد أن يسبق الحوار مع الآخر أو أن يسير جنباً إلى جنب معه، وكلما كان هذا الحوار إيجابياً فإنهم يستطيعون الانطلاق بحوار بنّاء مع الآخر، يحقق لهم موقعاً متقدماً على خارطة العالم في ظل العولمة.
تفاعل حضاري
يقدم كتاب «جدل الحضارات.. ثلاثية الحوار والصراع والتحالف»، من خلال دراسة منهجية، النماذج المتعددة للتفاعل الحضاري في العالم المعاصر، والتي تتمثل في حوار الحضارات وصراعها، وأخيراً التحالف بينها.
حيث اتخذ الحوار بين الحضارات، وهو تقليد قديم في أزمنة السلم وأوقات الحرب، شكلاً محدداً بعد الحرب العالمية الثانية تحت رعاية اليونسكو وبعض المنظمات الدولية الأخرى، ولقد تأثر هذا الحوار في الفترة الممتدة بين عامي 1949 و1989، بالمناخ الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي كان سائداً.
ويتميز الكتاب أيضاً بتوثيقه العلمي الدقيق الذي يعكس خبرة المؤلف الممتدة، والتي اكتسبها من الاشتراك في أبرز المؤتمرات العالمية عن حوار الحضارات، حيث يتناول السيد يسين في كتابه دراسة حالة بالغة الأهمية عن حالة العداء بين الإسلام والغرب، ويرى أن الثقافات العربية والإسلامية ذات قابلية تاريخية للحوار مع الثقافات الأخرى، لا سيما وأنها أثبتت انفتاحها عليها وتفاعلها الإيجابي معها عبر حقب تاريخية مختلفة.
ولكي يصل العرب والمسلمون إلى نتائج إيجابية وفاعلة في عصر العولمة، فلا بد أن يكون حوار العرب والمسلمين أولاً مع الذات، وأن يرتكز على قاعدة الإيمان الراسخ بالتعددية الثقافية، ومعرفة الذات ومساءلتها، وبلورة أطر مرجعية للحوار البناء مع الآخر، ورفض الاستبداد وكل أشكال التمييز العرقي والديني، وتبني الدولة المدنية القادرة على تحقيق العدالة والتنمية المستدامة.
ويؤكد السيد يسين في كتابه أن المثقف العربي والمسلم لا يستطيع أن يقف مكتوف اليدين إزاء ما تواجهه الشعوب العربية والإسلامية من تحولات مصيرية في منطقة الشرق الأوسط، ولعل من أخطرها ما يجري الإعداد له فيما يسمى مشروع الشرق الأوسط الكبير، والتعنت الإسرائيلي، وعرقلة قيام دولة فلسطينية، وكذلك التكتلات الجغرافية السياسية الكبيرة التي يشهدها العالم في المرحلة الراهنة.
ولهذا يدعو المثقفون العرب والمسلمون إلى فتح باب الحوار بينهم وبين الشعوب الأخرى، وهم يرفضون بشدة محاولات تهميش الشعوب العربية والإسلامية، أو المساعي الرامية إلى إبعادها عن القرارات المصيرية التي تطال مستقبل العرب والمسلمين، دولاً وشعوباً وثقافة.
ويشير السيد يسين إلى أن الحوار الذي يسعى إليه العرب والمسلمون في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ الإنسانية هو الحوار المبني على حرية الاختيار وشرعية الاختلاف، كما أن أول شروط نجاح الحوار العربي والإسلامي مع الآخر، أن يتخلص المثقفون العرب والمسلمون من عقدة الذنب أو الشعور بالذنب في خطابهم.
