لم يكن ممكناً أن يمر كتاب «بث حي من الإمارات: الكشف عن التاريخ الإعلامي لدولة الإمارات العربية المتحدة»، الذي أصدرته «البيان»، مرور الكرام على معرض الشارقة الدولي للكتاب 33، فالقامات لا تحتفي إلا بالكنوز، وعلى قدر الحدث، كانت أهمية الكتاب الذي يوثق بدايات الإعلام، ويرصد نشأته وحراكه وتطوراته، حاصداً بهذا الجهد الكبير جائزة «أفضل كتاب محلي مطبوع عن الإمارات»، في حفل افتتاح المعرض الذي أقيم صباح أمس، ما يعد اعترافاً من القائمين على المعرض بأهمية الكتاب الكبيرة في إثراء المكتبة الإعلامية بكنز معرفي، يتيح للآخر التعرف إلى الإعلام المحلي بأفضل صورة.

في فضاءات جديدة حلَّق الكتاب، راصداً تاريخ نشأة الإعلام في دولة الإمارات عموماً، ودبي خصوصاً، من خلال بحث ميداني مفصل مرفق بصور عالية الجودة، منها ما هو نادر يبعث الحنين لزمان مضى، ومنها ما يحمل دلالات تاريخية مهمة، ومعلومات ورسوم ونماذج غرافيكية، ووثائق وبيانات إحصائية أثرت المحتوى، إضافة إلى رصد شهادات حية ساهمت في صناعة الإعلام المحلي وواكبت نهضته، وتواصلت مع أدواته.

حرية وإبداع

«إن تحقيق الازدهار يتطلب تحرير الإعلام من القيود والقوانين والممارسات، لينطلق بمزيد من الحرية والاستقلالية والإبداع». من عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ينطلق الكتاب، فاتحاً دفتيه على مصراعيها أمام القارئ، ليبحر معه في 3 فصول رئيسة، يناقش أولها «نمو وسائل الإعلام الخليجية»، مستعرضاً عدة قضايا أثرت في شكل الإعلام في دول الخليج، من خلال عرض الأشكال التقليدية للاتصالات والتواصل، من فترة ما قبل بزوغ فجر الإسلام أو نشوء الدولة العثمانية بوقت طويل، وحتى اليوم.

كما استعرض الصحافة العابرة للحدود، والنساء في وسائل الإعلام، والملكية الفكرية في الشرق الأوسط، ولغة المحادثة العربية عبر الإنترنت «العربيزي»، ومدن الإعلام في العالم العربي، بالإضافة إلى بحث حول مشاهدي التلفزيون في الشرق الأوسط، والرسوم الهزلية والكرتونية العربية.

ويناقش الفصل الثاني «التاريخ الإعلامي لدولة الإمارات العربية المتحدة»، مستعرضاً الانتقال الشفهي إلى الرقمي في غضون جيل واحد، وعارجاً على قوانين الإعلام الإماراتي، والتطورات في تاريخ الإعلام المحلي، وأبحر هذا الفصل في مناقشة الإعلام المطبوع من عدة زوايا، كصحافة ما بعد الحرب، والصحافة الاتحادية، مستعيناً بصور من الصحف المحلية في بداياتها كـ «البيان» و«الاتحاد» و«الخليج» و«الفجر» و«غلف نيوز» و«خليج تايمز»، وصولاً إلى «الإمارات اليوم».

كما عاد إلى أرشيف الإذاعة، فرصد تطور أجهزتها، مستعيناً بالوقائع التاريخية، باثاً عدة صور لفرق المذيعين في السابق وقطعاً من راديوهات قديمة ودفاتر بقائمة الأشرطة التسجيلية، ولقطات خاصة بالفرق الإذاعية مع مرور السنوات وتطور عالم الإذاعة. كما أخذ التلفزيون حقه من مناقشة الجدول الزمني والتطورات التي طرأت عليه عاماً بعد آخر، من خلال استعراض بدايات التلفزيون في الإمارات، وظهور المحطات الفضائية، إضافة إلى الإعلام الرقمي والولوج إلى عصر الإنترنت.

رواد الإعلام

ويعرض الفصل الثالث «رواد الإعلام»، مقابلات مطولة مع عدد من الإعلاميين الرواد في دولة الإمارات، الذين أضفوا لمسات رائعة أحيت تاريخ الإعلام، ومنهم محمد أحمد المر نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «البيان» ورئيس التحرير السابق لصحيفة «خليج تايمز»، وحصة العسيلي أول امرأة إماراتية تعمل في الإذاعة والتلفزيون، والأديب والمؤرخ بلال البدور، الذي ساهم في إرساء أركان الحياة الثقافية في دولة الإمارات، ومنى المري، أول امرأة تترأس المكتب الإعلامي لحكومة دبي، وعبلة النويس، من أوليات الصحافيات في دولة الإمارات، وأحمد سالم، من أوائل مذيعي الأخبار الإماراتيين، وزكي نسيبة، أحد أوائل المراسلين الأجانب في دولة الإمارات.

ويمتاز هذا الفصل بحديث الرواد عن تجاربهم الشخصية، وخبراتهم التي تعد وعاءً معرفياً يمكن للجيل الجديد أن ينهل منه، ليكتسب خبرات كثيرة، تزيد إصراره على مواصلة المشوار، وترك بصمة في مجال أصبحت الريادة فيه للأكثر تميزاً وصدقية.

مصدر

مجموعة مراجع واسعة

اعتمد الكتاب في مادته على مجموعة واسعة من المراجع والكتب والوثائق الأرشيفية والصور عالية الجودة، مستعيناً بأكثر من مصدر، منها أرشيف «البيان»، وأرشيف مؤسسة دبي للإعلام، البحرين في صحافة الماضي 1899- 1999، تأليف: صقر بن عبد الله المعاودة، مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية والبحوث «الإعلام العربي في عصر المعلومات»، الطابور، عبد الله علي، «تطوير المؤسسات الإعلامية في الإمارات العربية المتحدة وتأثيره على التنمية الثقافية»، هيئة الثقافة، أبوظبي.

صور

كنوز نادرة

يعرض الكتاب مجموعة متميزة ونادرة من الصور التي تعد كنزاً معرفياً بحد ذاته، كصور مقابلة أجراها التلفزيون الفرنسي مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1971، ومقابلة أخرى أجراها معه وفد إذاعي صيني عام 1990، وصورة للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وهو يدشن تلفزيون دبي عام 1974، بالإضافة إلى صور الأعداد الأولى من المجلات والصحف المحلية التي صدرت في ستينيات وسبعينيات العام الماضي.

حاجة مُلِحَّة

ذكر ظاعن شاهين، المدير العام لقطاع النشر في مؤسسة دبي للإعلام، رئيس تحرير صحيفة البيان، في مقدمة الإصدار، أن «بث حي من الإمارات: الكشف عن التاريخ الإعلامي لدولة الإمارات العربية المتحدة» لم يأتِ عبثاً أو ترفاً، بل حاجة ملحة لكل العاملين في القطاع الإعلامي، نظراً لتواضع المكتبة المحلية وفقرها في إيجاد كتب ترصد تاريخ إعلام دولة الإمارات، وتطوراته المتسارعة على جميع الصُعد، خاصة أننا نعيش اليوم عصراً معلوماتياً مثيراً، ومختلفاً في كل شيء، فلم يحدث على مرِّ العصور الماضية أن توافرت للناس هذه الوفرة الهائلة من المعلومات ومصادرها، ولم يحدث أبداً أن شكّل فرزها تحدياً للناس جميعاً.

فهرس بصري يدعم المعلومات بنماذج توضيحية

 

يقدم الكتاب فهرساً بصرياً للرسوم المعلوماتية، يتكون من 13 رسماً، يعرض أولها جدولاً زمنياً لتطور الإعلام في الشرق الأوسط، منذ عام 1727 وحتى عام 2014.

وينتقل لتطور أجهزة الطباعة على تتابع السنوات، لا سيما أن الكلمة المطبوعة تعتبر أول شكل من أشكال الإعلام الجماهيري، وقد ساهمت بانتشار روح الحداثة في مختلف أرجاء العالم، ما أتاح تبادل الأفكار وارتفاع معدلات محو الأمية.

وإلى تطور أجهزة الإذاعة، ينتقل الكتاب مستعرضاً الدور المحوري الذي لعبته الإذاعة في الأحداث التي شكلت التاريخ الحديث. وخلال فترات الحرب والسلام، تتيح الإذاعة التواصل على نطاق غير مسبوق عابرة لكل الحدود.

وفي الاستوديو الإذاعي وعلى موجات الأثير، يقدم الفهرس البصري مجموعة من النماذج التوضيحية لتطور الأنساق المسموعة، بدءاً من حنين الأيام الغابرة وصولاً إلى التكنولوجيا المعقدة للعصر الإلكتروني، بما في ذلك الأشرطة الممغنطة التي تعمل بنظام البكرات، وأسطوانات الفينيل، وأشرطة الفيديو، وأقراص التخزين بأنواعها المختلفة، ووصولاً للاستوديوهات الإذاعية المزودة بأفضل التقنيات السمعية.

صور ومعلومات

ومروراً بتطور أجهزة الكمبيوتر، تظهر الصور والمعلومات التدرج في الوصول إلى تقنيات عالية الجودة، والتسلسل الزمني، والوسائل المستخدمة في كل مرحلة.

كما يقدم الكتاب المشهد التلفزيوني في دول مجلس التعاون الخليجي، مستعرضاً القنوات بحسب الدولة وتاريخ الإنشاء، وتصنيف القنوات بحسب لغتها ومحتواها ومقرها داخل الدولة، إضافة إلى مجموعة من الأرقام والإحصاءات التي تعطي دلالة واسعة على تطور التلفزيون، كعنصر مهم في القطاع الإعلامي.

وفي فصل صفحة «رواد الإعلام في الإمارات»، يقدم الفهرس البصري مجموعة مميزة من الصور والمعلومات عن الآباء المؤسسين للإعلام الإماراتي، الذين حرصوا على تمرير المعلومات، وكانوا يجتمعون في منازل العائلات المثقفة للتناقش وتبادل الآراء والتدوين، ما جعلهم حجر الأساس للواجهة الإعلامية الحديثة.

وبالانتقال لتاريخ الإعلام في دولة الإمارات، تظهر بذور التغيير على وسائل الإعلام المختلفة، ما جعل الإمارات من أكثر الأماكن الإعلامية تطوراً وأوثقها اتصالاً في العالم، ويظهر في الرسم المعلوماتي التسلسل الزمني لتشكيلة من المعالم التاريخية في دولة الإمارات.

وبنظرة على الإعلام المطبوع، تقدم الرسومات والأرقام معلومات هامة حول أقدم الصحف العربية، وعدد المطبوعات في كل دولة عربية، وغيرها من معلومات.

وفي زاوية الإذاعة الخليجية تحت المجهر، يتجسد المشهد الإذاعي في دول مجلس التعاون الخليجي، من حيث الإذاعات وتردداتها واللغات المتحدث بها، ومعلومات أخرى كأقدم محطة إذاعية وسنوات الإنشاء وغيرها.

جدول زمني

وبالانتقال للجدول الزمني للتلفزيون، تظهر الصور والمعلومات، التطور الذي طرأ على التلفزيون، لا سيما أنه حل بديلاً عن الإذاعة، وأثار اهتمام الناس كأقوى أشكال الإعلام الجماهيري، ويعرض الجدول الزمني المرفق بهذا الفصل أهم المعالم في تاريخ التلفزيون.

ولأهمية دور عربة البث الخارجي، قدم الفهرس البصري مجموعة من النماذج التوضيحية التي تساعد على فهم آلية عمل عربة النقل الخارجي، إذ إنها مصممة لتكون بمثابة استوديوهات تلفزيونية فوق عجلات، ما يتيح لطواقم العمل نقل البث التلفزيوني من موقع الحدث.

وبنظرة عامة على الإعلام الرقمي، تستعرض «صفحة الإمارات عبر الإنترنت» دخول دولة الإمارات عالم الإنترنت منذ عام 1995، حتى أصبحت ثاني أكبر منفق على تكنولوجيا المعلومات بعد المملكة العربية السعودية، وتقدم الرسمات المعلوماتية نظرة على وسائل الإعلام الرقمية في الدولة.