أعلام من الإمارات

عيسى بالرهيف.. شاعر لم تثنِه الصعوبات

عيسى بالرهيف أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في نحو عام 1939 م، ولد الشاعر والأديب عيسى بن محمد بن علي بالرهيف بمدينة دبي، وكانت الإمارات يومها لا تزال في مرحلة النشأة السائرة ببطء نحو ركب التنمية، وكان التعليم بها لا يزال في مرحلته شبه النظامية، مدارس وفصول ومدرسون، ولكن المناهج تدور حول القرآن الكريم تلاوة وحفظا وتفسيراً، وشيئاً من علوم الفقه والحديث، وعلوم العربية من نحو وصرف، إضافة إلى قليل من علم الحساب والتهذيب والسير.

لم يكن التعليم الحديث قد وصل، فلم يكن هناك مجال لعلوم الرياضيات والطبيعة والكيمياء والفيزياء والتاريخ والجغرافيا والفلسفة والمنطق وعلم النفس.

المدرسة الأحمدية

وكانت المدرسة الأحمدية التي تأسست عام 1912، كما يبدو من التاريخ المدون على أبوابها، هي المدرسة الوحيدة بمنطقة ديرة بدبي. وقد افتتح لها فرع بنيت فصوله من السعف بمسجد »العضب«، مسجد الزرعوني حالياً، مقابل مركز شرطة نايف. وكان من المدرسين فيه الشيخ محمد بن علي بالرهيف والد الأديب عيسى وأخويه الكبار من أبيه، جمعة، وأحمد، وأخيه الأصغر الشقيق علي.

التعليم الحديث

وفي عام 1956، بدأ التعليم الحديث الذي استوجب تغييراً جذرياً في النظام التعليمي من مدرسين ومناهج دراسية وزي مدرسي. الكويت تمد يدها لدعم التعليم كما فعلت من قبل مع الشارقة. وتأتي المفاجأة بأن يقف بعض الأهالي موقفاً من هذا النظام، لكن هذا الموقف لم يكن احتجاجاً على المناهج أو المدرسين أو النظام بذاته، وإنما كان موقفاً من الزي المدرسي الجديد، الذي ألزم به الطلاب وهو البنطال والقميص، ما يعني التخلي عن الزي التقليدي أثناء الدوام المدرسي. وكان من أولئك والد عيسى بالرهيف، الذي رأى عدم دخول ابنيه عيسى وعلي في هذه المدارس، احتجاجاً على هذا الزي.

الدراسة في الكويت

حاول عيسى مع والده كثيراً، لكن دون جدوى، فما كان منه إلا أن توجه إلى مكتب المغفور له، بإذن الله، الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم بدائرة الأراضي والأملاك، التي كان يرأسها، وطلب منه المساعدة للذهاب للدراسة بالكويت، فكتب له رسالة توصية إلى الشيخ عبد الله الجابر الصباح مدير المعارف هناك، فسافر هو ورفيق له يدعى محمد عبد الكريم في إحدى البواخر.

وبعد وصولهما إلى الكويت أحسا بتحقق رغبتهما في التعليم حيث إنهما بمجرد تسليم رسالة الشيخ مكتوم إلى الشيخ عبد الله الجابر لقيا منه الترحاب، وتكليف أحد المسؤولين لديه يدعى فيصل الصالح بمتابعة أمر دراستهما، لكن الصالح أخذ يعدهما بالمراجعة وماطل في ذلك.

وفي أحد الأيام كان عيسى يتابع الإذاعة الكويتية فإذا به يسمع خبر وصول المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم إلى الكويت في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، فقرر مقابلته وعرض الأمر عليه. ولم يتمكن من ذلك إلا في اليوم الثالث والأخير للزيارة، حيث التقى أحد المرافقين، وهو التاجر ناصر المرشد الذي كان من التجار الكويتيين المقيمين بدبي، وما إن قابل الشيخ راشد، وأخبره بالأمر أبدى انزعاجاً كثيراً من موقف الوالد، وكلف زهدي الخطيب بوصفه مشرف التعليم بدبي، ضمن البعثة التعليمية الكويتية لمتابعة الأمر.

لم يكن الوقت المتبقي من الزيارة كافياً لاتخاذ أية ترتيبات، لكن زهدي الخطيب أخذ عنوانه، حيث كان يقيم لدى أحد أنسبائه من أبناء الإمارات، وهو سلطان الحساوي المقيم هناك. ووعد بأنه سيهتم بالأمر وسيبعث إليه بما يتم الاتفاق عليه.

وخلال أسبوع من ذلك جاءه تلغراف هذا نصه »راجعوا سفريات الغانم لأخذ تذكرتكم إلى دبي. والدكم وافق . زهدي الخطيب«، فعاد عيسى إلى دبي بين نادم على استكمال دراسته بالكويت، وفرح بموافقة والده، وبعد أن وصل حصل ما لم يكن في الحسبان، فالوالد أصر على موقفه، ورفض دخوله المدرسة فتلاشت أحلام الدراسة، واتجه للعمل، حيث تم تعيينه بأمر من الشيخ محمد بن حشر كاتباً بالمحكمة، ثم اتجه للعمل الحر، واشترى مطعماً.

شعر وقراءات

لكن عيسى الذي فاته قطار التعليم الرسمي، لم يخلد إلى اليأس، بل اعتبر ما أخذه من علوم بالمدرسة الأحمدية زاده الذي يتكئ عليه، وبدأ بالقراءة والاطلاع والمتابعة، قرأ في الأدب، وحفظ الأشعار، وقرأ في التاريخ والسياسة، وكان قارئاً نهماً. ولقد أثرت قراءاته في إبداعه الشعري والنثري، لكنه مقل في إبراز هذا الإبداع، كان قد نشر شيئاً من شعره بمجلة أخبار دبي، حيث وجدت له قصيدتين واحدة منهما بعنوان عهد الشباب، قالها عندما تم إنشاء نادي الشباب العربي، الذي ترأس مجلس إدارته فترة من الزمن قبل اندماجه مع نادي الوحدة ليكونا النادي الأهلي، وجاءت القصيدة مباركة بتأسيس النادي، الذي يقال إنه تأسس بداية الستينات، ومستثيرة همم أبناء الجيل، معتزة بالوطن

 

أما الكتابة النثرية، فإن ما بين أيدينا نصين لم ينشرا، أحدهما يتحدث فيه عن نفسه بصورة فلسفية، أبان فيها عن حاله ونظرة الناس إليه، ومقالة جاءت على شكل رسالة موجهه إلى صديق له »نبيل عبد الرحيم قرقاش العوضي«.

حيث يشاكيه فيها، ويذكر ما ألم به ،حيث يبدأها بعد الإهداء والسلام بقوله » سبحان الذي قهر عباده بالموت«، ثم يذكر أنه يكتب هذه الرسالة الخاطرة في الخامسة صباحاً وهو يستمتع بأغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب مردداً أغنية »يا ضفاف النيل بالله ويا خضر الروابي«، ويذكر أنه انتابه حزن عميق لما آل إليه فكره، أما النص النثري الثاني، فهو رثاؤه للمرحوم الدكتور أحمد أمين المدني الرهيف،والشعراء، وعيسى الشاعر يهويه الشعر، ويهوى الشعراء، يقرأ لهم، ويحفظ أشعارهم، ومن ذاكرته تستطيع أن تتعرف إلى بعض القصائد التي تود تذكرها أو تذكر قائلها بمجرد أن تذكر أمامه بيتاً أو بيتين. ومن خلاله استطعت أن أدون شعر خليفة التاجر أحد شعراء الإمارات المقلين، ولولا حافظته لم أدر إن كان خليفة التاجر يقرض الشعر أو يتذوقه.

ونظراً للعلاقة الحميمة بينه وبين الشاعر الدكتور أحمد أمين المدني نجد أن الشاعر المدني لما اعتلت صحته آخر عمره كان يمر بعيسى ويشكو آلامه، وكان يواسيه ويخفف من همومه، ويتناول معه وجبه العشاء بالمطعم.

وفي قصيدة المدني، التي قالها في أواخر أيام حياته، وكأنه ينعى نفسه فيها، نراه يوجه كلامه شاكراً وذاكراً موقف عيسى منه. ولما قرأ الشاعر العراقي عبد المجيد الخفاجي القصيدة، وكان صديقاً للاثنين، جارى القصيدة بقصيدة أخرى.

 

بالرهيف والثقافة

كان الشاعر عيسى بالرهيف يتمتع بأفق واسع ومطلع إلى حد كبير على الثقافات المختلفة، لذا فهو يسجل مختاراته من أقوال الحكماء والعظماء، وبعض الأمثال، وسير الأدباء. وعندما يخاطبك شفاهة أو يراسل أحد أصدقائه، يسوق له من هذا شيئاً وكأنه يريد أن ينقل ما اطلع عليه إلى الآخرين، ومن ذلك أخبار الكتاب والفلاسفة، حيث يذكر طقوسهم في الكتابة.

Email