يَسعدُ الزائر لدى زيارته لأي معرض تشكيلي يقدم له أعمالاً تحمل متعة الجماليات البصرية، لكن سعادته تتضاعف حينما تحمل اللوحات بمضمونها فكراً وبعداً يغني العقل ويستنهض الروح، ومثال على هذه السعادة المضاعفة معرض "حركة وانعكاسات" للتشكيلي منير لقيس في غاليري "فور وولز" بمنطقة القوز والذي يستمر حتى 23 أبريل الجاري.
يرتقي الزائر بمعرفته خلال جولته مع الفنان لقيس عبر لوحات معرضه التسع عشرة، فكل لوحة تحمل معرفة وتاريخاً غنياً بفلسفة الحياة ومنابعها، وهذا ليس بالغريب على متابع أعمال لقيس الكاتب والقارئ المتأمل في رحاب الحياة. فمن خلال معارضه السابقة في دبي ابتداء من عام 1981 وحتى معرضه الحالي، يتعرف على عوالم الصوفية وعلاّمة الفكر الإنساني كجلال الدين الرومي وجبران خليل جبران وغيرهما.
ذهب وفضة
تتجلى هذه المعرفة للزائر في معرضه الحالي بداية، من جماليات لوحاته ذات الألوان الشفيفة ومعالجتها بتقنية خاصة به، والتي تبدو وكأن الضوء ينبعث من خلفية ألوانها التي اعتمد في بناء معظمها على ورق الذهب والفضة المثبت على قماش اللوحة، لتقدم بمجملها عالماً لكينونة الإنسان في محيطة كفرد وعائلة ومجتمع.
ينتقل الزائر من خلال ألوان اللوحات إلى عالم يقترب من أجواء عنوان رواية "كائن لا تحتمل خفته" للروائي الإيطالي ميلان كونديرا، فروح الزائر تحلق في شفافية الألوان التي تسبح تارة في دوائر وتشعبات كشرايين نسيج عالم الكائن الحي الداخلي، وتارة أخرى في عوالم خريف وشتاء وربيع الطبيعة بتربتها وأشجارها وسهوبها وآفاق فضاءاتها.
الحواس السبع
يتفاعل الزائر مع لوحات المعرض بتلقائية، لكن الفضول الذي يتولد في داخله يدفعه إلى حوار مع الفنان. قال لقيس لـ "البيان" حول لوحته الجدارية المرسومة على ورق الفضة التي تضم سبعة شخوص تحيط بهم دوائر تشع بليل زرقة السماء، "الشخوص السبعة يمثلون حواس الإنسان السبع.
التي تنقسم إلى جزأين، الجزء الأول هو دائرة الحواس الخمس التي تشمل السمع والبصر والروح والإحساس والمعرفة، والحاستان الأخيرتان يتم اكتسابهما من خلال تفاعله مع المحيط. أما الجزء الثاني فيمثل الارتقاء بالروح والمعرفة وهو الجزء الذي يمثل الريادة التي يصل إليها بعض الأفراد والتي تشكل الإبداع والابتكار الذي يضيف لرصيد الإنسانية.
وهذا الجزء ينقل الإنسان من اتكاليته على محيطه إلى "الاتكالية الاجتماعية" وتعني استقلالية الفرد وفي الوقت نفسه إضافته لمحيطه. وأي انجاز له في هذه المرحلة يرتبط بالمعرفة من جهة والتواصل من جهة أخرى".
أمام لوحته الجدارية المشبعة بلون التربة الخصبة التي تضم ملامح رجلٍ وامرأة ملتفحين بلون الطبيعة يقول لقيس، "الكون من حولنا مركب من تضاد الازدواجية، رجل وامرأة أرض وسماء، شمس وقمر، ليل ونهار، خير وشر، كرم وبخل، شجاعة وجبن، فرح وحزن وغيرها". ويستغرق الزائر أمام لوحة تملك شغاف حواسه، حيث يدخل في غابة أو حرش من ألوان شجر الخريف ليغيب في عمق اللوحة والنور المشع من سهوبها والتي قال لقيس إنه استلهمها من حرش بلمنت في لبنان.
وتستمر جولة الزائر أمام عدد من اللوحات التجريدية التي تعكس المستوى الفني الذي وصل إليه لقيس في تقنيات معالجة الألوان التي يركبها بنفسه، والتي تعكس جماليات لا حصر لها في التناغم والعلاقة بين كثافة الضوء وعمق اللون الداكن مع الاحتفاظ بشفافيته، ومنها إلى لوحة صغيرة الحجم نسبيا اختزلت تجربته بأجواء من عوالم جبران والأشبه بأيقونة في ألوانها الفضية التي تحمل شخوص ذوات الإنسانية كما قال لقيس.
سيرة لقيس
ولد منير لقيس في لبنان، وعاش في لبنان حتى بداية الحرب الأهلية عام 1975 حيث سافر واستقر في الإمارات، وعلى الرغم من حبه للفن إلا أن رؤيته الواقعية للحياة جعلته يختار دراسة العمارة الداخلية. ويعمل حالياً كرئيس مهندسين في أحد أبرز الفنادق بدبي منذ عام 2001. وأقام أول معرض فردي له في فندق انتركونتننتال دبي عام 1981 1982

