رواية "الطريق إلى غوانتنامو" تتلمس طريق الحرب الوعرة، وتسعى إلى التعبير عن مصائر شخصياتها التي انسحقت في أتون حرب عاصفة، وهي بشكل من الأشكال، صرخة في وجه الواقع العربي، بمزيج من التوثيق والخيال. بمناسبة صدورها، تحدث الروائي عبد الله مكسور إلى "البيان":
كيف جئت إلى هذا العالم؟
عالم الأدب يسكنني منذ زمن طويل. هناك شاعر مات في داخلي، ولم يستطع أن يحيا، أراد أن ينطلق إلى الحياة، لكنه وجد نفسه مقيداً ببحور الشعر العربي ومن يهاجم شعر التفعيلة. هربت من الأماكن الضيقة وانتقلت إلى العالم الأرحب والأوسع حيث لا أجد فيه هذه القيود وهو عالم الرواية الذي فيه يمكنني أن أجوب العالم على أجنحة الخيال.
مسار الرواية
لماذا اخترت عنوان "الطريق إلى غوانتنامو" بينما تدور الرواية حول احتلال بغداد؟ وهل يمكن الكتابة عن الحرب أدبياً أثناء حدوثها؟
العنوان بالنسبة لي هو عبارة عن رسالة أحب أن أوصلها بطرق عديدة. ونحن كعرب نتمتع بذاكرة قوية في التسجيل الوثائقي. وفي كل إنسان عربي يقبع روائي، يختزل جملة من مشاهد من الناحية الثقافية والاجتماعية. الحرب هي احدى الحالات نمر بها نتيجة ظروفنا التاريخية والمواقع الجغرافية. الكتابة عن الحرب تتم بعد دخول الإنسان للتجربة لكي يكتب عنها. يمكن أن نكتب عن الحرب وهي دائرة، مما أبدأ بالجزء الثاني. انتهت الحرب في أبريل في 2003 في أبريل دولياً باحتلال العراق. البطل يرى الحرب هكذا. وهو يمر بمرحلة الاعتقال التي تبدأ من بغداد والناصرية وتنتهي في السجون الأميركية.
لماذا تختار الموضوعات الساخنة؟
لأنني أحب الاقتراب من النار ليس بهدف الاحتراق بل أفكر بدخول مناطق لم يدخلها غيري ولن يفكر غيري بدخولها.
علاقات مع القارئ
وعلى غرار ذلك كتبت عن "أيام في باب عمر"؟
هذا صحيح. من خلال هذه الموضوعات، أقوم بنسج علاقات مع القارئ لأنه يعيش هذه الأحداث. لذلك تتولد بيننا قواسم مشتركة، نقيم من خلالها حواراً إنسانياً لا يمكن إقامته في أي نصر آخر غير نص الرواية.
هل اخترت عن قصد تقنية الرسائل المكتوبة؟
نعم. الرسائل المكتوبة تأتي من الصليب الأحمر، وتحمل في طياتها أخبار الحرب والمصائر البشرية. وهي تقنية أعانتني على تفريغ ما يعتمل في قلب البطل ووجدانه.
هل عالجت الشخصيات الأميركية باعتبارها طرفاً في عملية احتلال العراق؟
نعم. يوجد الضباط والمحققون والجنود القادمون من وراء البحار. ولكن لم تكن لديّ شخصيات محددة المعالم.
ظروف عربية
هل عالجت ظروف العالم العربي من خلال قضية العراق؟
بالتأكيد. موضوع احتلال العراق تخص جميع العرب لاعتبارات دينية وقومية وانسانية. فالشعب العراقي الذي تعرض إلى الاحتلال له تاريخ حضاري طويل ويكفي أن شريعة حمورابي ولدت في أرضه. لا يجوز استباحة الشعوب سواء اتفقنا مع النظام أم لم نتفق. لأنني كروائي أنظر إلى العراق ككيان موّحد.
هل تعتقد أن رواية الحرب تستأثر باهتمام القارئ؟
القارئ المهتم يركز على رواية الحرب. ولو اننا أمة "اقرأ" لا نقرأ كثيراً. لكن القارئ الذي يبحث عن أدب الحرب بإمكانه العثور عليه. وهكذا بالنسبة للقارئ الذي يبحث عن أدب الحب. الأدب متاح للجميع، ونسبة القراء قليلة، وهي لا تتجاوز 2 بالمئة، ولكن هذه النسبة القليلة ذكية وقادرة على فرز النص الجيد وقراءته.
هل تأثرت بكتّاب الرواية؟
مما لا شك فيه أن التأثر جزء من عملية البحث. فقد أحببت نجيب محفوظ وعلاء الأسواني ومريد البرغوثي وغيرهم. كما أن قراءتي للتاريخ جعلتني أخوض في عالم الرواية من أجل كتابته بطريقة صحيحة لأن أغلب تاريخنا كتبته أقلام الأجانب، وأغلبه مشّوه. لذا وجدت نفسي ألجأ إلى التوثيق. وكما هو معلوم فإن العرب عندما كانوا يريدون تخليد شخص يقومون بكتابة قصيدة عنه.
ولكن الرواية ليست توثيقاً فقط؟
بالتأكيد. الخيال هو العنصر الحاسم في كتابة الرواية حتى لو كان الخوض في القضايا التاريخية أو الحروب التي تقع، ووجهات النظر حولها. ولكن هناك لا يمكن للروائي أن يلعب بها مثل احتلال بغداد لا يمكن أن نقول إن بغداد لم يتم احتلالها. الفرق بين الواقع والخيال يكمن في معالجة الحالة الدرامية للبناء الروائي.
أدب الذاكرة
هل يمكن القول إن هذه الرواية عبارة عن مذكرات؟
هي مذكرات حرب وأسر، وهزات نفسية عنيفة، هي نوع من أدب المقاومة، وتقديم تفاصيل من سرية الحرب العراقية ـ الأميركية، والوقوف ضدها. وتقوم خصوصية الرواية على كونها ترتفع بنفسية العربي، وتعبر عن التزام أخلاقي وقيمي وعقائدي وإنساني بدرجة أولى اتجاه قضايانا العربية المشتركة. حاولت من خلال الأحداث إيصال رؤيتي القومية العربية للقارئ، مستغلاً خصوصية الوضع العراقي، والمشتركات التاريخية والجغرافية والدينية والأنثروبولوجية التي تجمع بين العرب.
هل يمكن أن ننسب "الطريق إلى غوانتانامو" إلى الرواية التاريخية؟
ما يعطي الرواية ثوب التاريخ أنها تعالج لحرب العراقية ـ الأميركية، وربطها بأبعادها الصحيحة، فهي ليست وليدة اللحظة المجردة، بل هي في سياق تاريخي وجغرافي. واستمرار استنزاف كل ما هو عربي من إرث وحضارة وتاريخ وثروات، لتبرز روح الكاتب عبر المونولوجات القائمة في ثنايا الرواية معبرة عن حالة الرفض المطلقة لما وصلت إليه الأمور. إنها تروي مجريات الحرب العراقية وتؤرخ ليوميات الاعتقال في المعتقلات الأميركية على امتداد الأرض العراقية.

