التقى مفكرون عرب على مائدة الثقافة ليناقشوا ويحللوا، تجاربهم الشخصية، وليتفكروا بالشأن العربي الذي ما زال يقع في مخاض التساؤل والفكر، على الرغم من تعاقب الأزمنة التنويرية والنهضوية، كان ذلك في ندوة نظمتها وزارة الثقافة في شهر الفكر ضمن المنامة عاصمة الثقافة العربية، بعنوان (شؤون الفكر العربي وشجونه) في متحف البحرين الوطني، بحضور وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، ونخبة من المفكرين والأدباء، في لقاء جمع الفكر الثلاثي للمفكر محمد جابر الأنصاري مستشار الملك للشؤون الثقافية، والدكتور هاشم صالح، وزهيدة درويش الأمين العام للجنة الوطنية لليونيسكو في بيروت.
النقيب و البحث
أدار الحوار د. محمد الخزاعي، الذي قال إن شؤون الفكر العربي وشجونه ليست وليدة الساعة فقد أشبعه المفكرون بحثاً وتنقيباً، وسيشكل إضافة نوعية للأنشطة الثقافية، إذ جاء في فترة نشهد فيها تحولات في الفكر العربي، مع بروز تيارات فكرية وسياسية لتغيير الخريطة الفكرية، إلى جانب ما نشهده من التيارات الدينية أيضاً، التي أستطاعت التغلغل في الحياة السياسية بفكر ديني.
وقدم د. المفكر محمد جابر الأنصاري مستشار الملك ورقته التي اعتبرها بأنها منتخبات ثقافية ولقطات فكرية احتفاء بالمنامة عاصمة الثقافة، والتي تعرض بشأنها إلى سبر أغوار تجاربه الشخصية ومحافل انتقالاته الفكرية منذ ترعرعه على مشارب العلم والثقافة.
وكما يقول «أذكر أن ثقافتي العامة عندما كنت صبياً في البحرين لم تأت من الكتب، بل من الشارع، حيث كان الرجال يتحلقون عصراً أمام الدكاكين أو في ظل البيوت في حلقات مفتوحة، يتحدثون بعفوية عن قضايا العالم والعصر، وكانت الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها في ذلك الوقت، وكان الحديث عن مجرياتها ونتائجها، وتكونت معرفتي بها وبشخوصها وأسبابها والقوى المشاركة فيها، والمصالح المتنازع عليها دون قراءة أي كتاب».
اسرة الادباء
موضحاً «كانت الحركة الأدبية الجديدة تتبلور في البلاد والاتجاه لتأسيس أسرة للأدباء والكتاب، منذ ذلك الوقت المبكر قياساً ببلاد الجوار، وقد ساهمت في ذلك التأسيس وكنت ناشطاً فيه، أما في حقل الدراسات الأدبية الحديثة فقد وجدت ان الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة كان متقدماً في زمن ظهوره، وقد أرخ له أمين الريحاني في (ملوك العرب) لدى زيارته إلى البحرين، في عشرينيات القرن المنصرم، وبحكم ترتيبه الزمني وأستاذيته للجيل الذي جاء بعده، كعبدالله الزايد مؤسس النادي الأدبي بالمحرق، ومصدر أول صحيفة بالخليج العربي، وهي صحيفة البحرين ».
العولمة والادب
وقالت د. زهيدة درويش ان «ما يميز العولمة كما انتشرت في التسعينات، ويجعلها تختلف جذرياً عن العالمية هو أنها تقوم على مبدأ الهيمنة المتأسسة على الترويج لنموذج حضاري واحد، وأنها تقسم العالم إلى دول غنية تتحكم بالاقتصاد والسياسة والثقافة، وتمتلك وسائل الإنتاج والتكنولوجيا، ودول فقيرة عاجزة عن مواكبة التطور، خاضعة لسيطرة الاقتصاد المتفوق، وأشارت إلى أن الهوية في زمننا معطى جاهزاً، وليست مجموعة صفات صبت في قوالب جامدة لا تتبدل، بل هي في حالة صيرورة وتحول مستمر نتيجة الاحتكاك بالآخر، واختلاط الشعوب والثقافات التي نرى فبها إحدى إيجابيات التقدم الكنولوجي ».
وناقش د. هاشم صالح بدوره ورقته (من دمشق إلى باريس: تأثير الأنوار الفرنسية على ثقافتي وتكويني)، والتي ذهب فيها ساردا تجربته العينية الشخصية، وانتقاله من سوريا إلى باريس مدينة الأنوار، إن «اللغة الفرنسية هي التي أتاحت لي التعرف على الفكر الحديث كله. لولاها لما قرأت جان جاك روسو بالنص الأصلي، ولا فولتير، ولا ديكارت، ولا جميع فلاسفة التنوير الأوروبي ».
