"السياسة.. الدين.. الجنس"، ثالوث طالما كان التطرّق إلى الكتابة أو الحديث في أحد موضوعاته، يتطلب التفكير وأخذ الحذر قبل البدء فيه، وربما قبل التفكير أيضا، فركن الثالوث الأول ضمن المجتمعات المحكومة من قبل الأنظمة السلطوية الديكتاتورية، بمثابة خط أحمر، وربما الحديث الصادق بشأنه ينتهي بتهمة قلب نظام الحكم، والثاني يحتمل أن ينتهي بتهمة الكفر والفتنة، وأما الأخير فيؤدي إلى الاتهام بالانحراف ونشر الرذيلة، واشتهر هذا الثالوث في المجتمعات العربية بالتابوهات. . فماذا، إذاً، عن ماهيتها الحقيقية، وكيف هي ارتباطاتها بالمبدعين، وطبيعة تأثيراتها عليهم" وهل حقاً هناك وجود لفكرة التابو عند الكتاب والأدباء؟ وما احتمالات أن يكون لها تأثير في ما يقومون به؟ وما مدى كونها مجرد فكرة لدى الأفراد البعيدين عن هذا المجال؟

لماذا؟

في البداية، يعرّف الدكتور أحمد عتمان، أستاذ الأدب المقارن في جامعة القاهرة، "التابو" بأنه مجموعة من المحرمات، توارثها الناس على مر العصور دون التفكير في ماهيتها، وفي سبب تحريمها، وتوهموا أنها ممنوعات ومشاكل تقيد حرية وتفكير الإنسان، من دون أن يعلموا أن لا حدود للتفكير والإبداع.

ويشير أستاذ الأدب المقارن في جامعة القاهرة، إلى الشأن الجنسي الذي لا يزال يقيد حركة الإنسان الأدبية، فهو مؤطر بقيود تتوارث من جيل إلى آخر، تحت شعار "لا لحرية الجنس"، وتجاهل لضرورة التحاور والمناقشة وتبادل الأفكار في هذا الشأن، والبحث العلمي فيه أيضا؛ مؤكدا أن عدم انتشار المعلومات عن تلك الثقافة المحرمة بالوراثة على شبابنا، ساهم بدرجة كبيرة، في انتشار الأفكار السلبية، واتجاه الكثيرين إلى الانحراف.

كما تطرق عتمان إلى الإبداع الشعري، فوصفه بأنه دائم التفكير والخيال، وأنه لا توجد حدود تعرقل انطلاقاته الإبداعية والفكرية، وأضاف: "عادة ما ينطلق الخيال إلى عنان السماء، ويتسلق الجبال، وربما يصعد إلى النجوم، فانطلاقاته لا يوقفها بشر، إلا أنه من الضروري أن يكون لدى المبدع ملكة التحكم في خياله حتى لا يقع في شطحاته، والتي عادة ما يقع فيها غير المبدعين".

ويشدد ايضا، على انه لا توجد ممنوعات ولا تابوهات، وخاصة بالنسبة إلى التفكير والتدريس، فحتى المسلمات خاضعة للمناقشة والحوار، ولو لم نقتنع بها؛ لما سلمنا بها، مشيرا إلى أننا الآن، كمبدعين، نواجه ضغوطا من كافة الأنحاء من أصحاب السلطة السياسية، والسلطة الأسرية، والدينية، وعلى الرغم من مقاومة البعض، غير أن الأغلبية تستسلم الى تلك التابوهات المغلقة النوافذ، وكأننا في غرفة بلا هواء.

معدومو الموهبة

ينفي الشاعر والناقد عبد العليم إسماعيل، وجود محاذير أو مخاوف، طالما كانت الكتابات في الإطار العام الذي لا يمس الدين أو الجوانب الأخرى من الثوابت المترسخة في مجتمعنا العربي، ويتابع في هذا الخصوص: "إننا لا نستطيع أن نرى سيدة تكتب ضد الدين، مثل ما فعلته الكاتبة الباكستانية نسرين، أو ما فعلته أخريات، وإن كنا كمجتمع عربي نسمح للكاتبات الجريئات بالوجود على الساحة الإبداعية".

وأكد إسماعيل أن هذه التابوهات تجعل ضمير الكاتب رقيبا على إبداعه، معتقدا أنه في ظل حرية الإبداع التي ننادي بها وندافع عنها لا توجد محظورات أو تابوهات يمكن الخشية منها، فضمير الكاتب يبقى هو الفيصل في كتاباته.

وعن الموضوعات التي تمثل تابوهًا في الكتابة، يقول إسماعيل: "إن السياسة، قبل وبعد الثورة، تابوه، إذ كانت كذلك بالنسبة إلى معدومي الموهبة، أو حتى في الدين ذاته، حيث إن من يتخذ من شيء ما "تابوهاً" فهذا دليل على أن نسبة مستواه الإبداعي ضعيفة، مثل أن يأتي بذكر لفظ الجلالة في سياق غير مناسب، أو كلمة مبتذلة ضد قناعات المجتمع، أو يناقش موضوعا يمثل حساسية ضد أبناء المجتمع، ويكون هدفه من كل ذلك إحداث بلبلة، حتى يكون مشهورا". ويستطرد : "إن هذا ما تعانيه الساحة الثقافية الآن، ومع ذلك، لابد من إتاحة الحرية كاملة للمبدعين، فالمبدع حر، والمتلقون أحرار، وعلينا أن لا نقيد قناعاتهم".

قواعد فقط

ومن جانبه، يرى الدكتور فيصل يونس- رئيس المركز القومي للترجمة، أنه لا توجد تابوهات. ويضيف: " إلا أن هناك قواعد نحرص على اتباعها كمبدعين ومترجمين، على العكس من دور النشر الخاصة التي تتمتع بحرية أكبر، والدليل هو أنه لدينا كتب عن الجنس والدين، ونحرص فيها على تثقيف القراء وزيادة المعرفة عن كل شيء، من دون خدش الحياء أو استخدام الألفاظ البذيئة أو المصطلحات الصارخة".كما يرفض يونس كل أشكال الرقابة التي يمكن أن تؤثر في الإبداع.

الجاهل الأوحد بالأدب

يعقد الشاعر أحمد عبد الوهاب، في حديثه بهذا الخصوص، مقارنة بين حدود الإبداع، قديما وحديثا، ضاربا مثالاً بالروائي، حيدر حيدر، صاحب رواية "وليمة لأعشاب البحر"، والتي تم منعها من التداول بحجة إساءاته للمعتقد الديني على حد قول عبد الوهاب- والشيء نفسه، حدث مع نجيب محفوظ في "أولاد حارتنا"، ويتابع:" إن الوضع تطور كثيرا اليوم، وأصبح أفضل مما كان قديما، فعندما كتب يوسف زيدان رواية "عزازيل"، متحدثًا فيها عن الكنيسة في العصور الوسطى، وذكر حقائق أثارت استياء الكثير من المسيحيين، كانت النتيجة نقاشات طويلة على صفحات الجرائد.

ومن ناحية الكنيسة فإنها رفعت قضايا قانونية، ولكن لم يمنع تداول الرواية، مثل ما حدث مع نجيب محفوظ وحيدر حيدر؛ ذلك لأن العالم اليوم أصبح أكثر انفتاحا، ولم يعد هناك شيء يمكن أن يختبئ تحت مظلة التابوه، حالياً. وينفى عبد الوهاب أن يكون للثالوث "التابوهي": (السياسة والدين والجنس)، تأثير في الكاتب والروائي، أو على الإبداع بشكل عام. جذر

 

تفيد موسوعة ويكبيديا الإلكترونية، ان التابو أو "طابو": ( Tabu )، كلمة بولينيزية، كثر استخدامها في الدراسات الأنثروبولوجية، في جميع اللغات، وهي تعني تحريم عمل أشياء معينة، أو أكل وشرب أشياء محددة، أو قول ألفاظ وكلمات معينة؛ وذلك لتجنب الأذى الذي تتضمنه.