تتماهى أعمال الفنان الاسباني البرت كوما باو، المعروضة في صالة مركز رؤى للفنون في العاصمة الأردنية عمان، مع مناخات الربيع العربي، حيث كرامة الانسان العربي وحريته تكمن في خلفيات الأحداث التي عصفت (ولا زالت) بعدد من بلدان المنطقة. فالحرية ليست مجرد فكرة أو موضوعاً عابراً في أعمال هذا الفنان الكتالاني المقيم في ألمانيا، وإنما هي متأصلة في أسلوبه الفريد و طريقته في التعبير عن نفسه. فالحرية تهيمن على اعمال الفنان مضموناً و شكلاً، بل لكأن أعماله هي أصداء لممارسة حريته الشخصية في عالم مضطرب، محكوم بالأزمات و الصراعات و الفوضى و شتى انواع الضغوط التي تحد من قيمة الانسان.
الإنسان كمحور
الإنسان هو محور المعرض الشخصي لألبرت كوما باو الذي سبق لمركز رؤى للفنون أن أشركه في معارض جماعية سابقة، حيث شجع الاقبال على أعماله على دعوته شخصياً لزيارة الاردن واقامة معرض منفرد لآخر أعماله. فلوحات كوما باو تعج بالمجاميع البشرية التي تتداخل أجسادها بأشكال مختلفة، وكأنما تحوم في الفضاء وتعيد تشكيل نفسها في كل لوحة بصورة مختلفة، أو كأنها تدور في دوامة لا تستقر. إنهم جموع من الافراد الذين توحدهم إنسانيتهم، وهذه بدورها تعطيهم هويتهم المشتركة، باعتبارهم بشراً يتوقون الى الحرية، و ربما يمارسونها بالقدر المستطاع، بالرغم من أي شيء آخر.
لكن البيئة التي يسبحون في فضائها لا يظهر لها أثر في اعمال الفنان كوما باو في بيئة مضمرة و غير مرئية، فقد تكون حلماً جميلاً او كابوساً، لكن كفاح الانسان للحرية لا يتوقف ولا يتغير بتغير المكان او تبدل الزمان . فاذا كانت لدينا أسبابنا لنحب هذه الاعمال، خاصة تحت تأثير مناخات الربيع العربي، فان من المرجح ان تجد مجتمعات أخرى قرابة ما بين أعماله وبيئتها الخاصة.
رحلة الفن
منذ تخرجه من كلية الفنون، مارس ألبرت كوما باو أشكالاً مختلفة من الفنون، من الرسم التخطيطي الى التصوير الفوتوغرافي الى فنون التجهيز والاداء، كأنما هو يختبر ما يتاح له من وسائل للوصول الى حريته الشخصية . ولعل أهم تجارب حياته رحلته الطويلة الى الهند و البنجاب، والتي استمرت نحو تسعة أشهر، غاص خلالها في الجموع البشرية وهي تمارس طقوسها الدينية وغرق في تأملات صوفية وتلقى دروساً في اليوغا، وجاب مختلف أقاليم الهند والبنجاب محاولاً التوحد مع الطبيعة في هذه الاثناء، و التعرف على نفسه وروحه قبل ان يتعرف على الناس و الفضاء الطبيعي، ليعود من هذه الرحلة، وهو اكثر يقيناً بان حريته هي أسمى قيمة إنسانية، وليتعلم كيف يمارسها في مختلف الظروف.

