يخرج الفنان الإيراني فرزان سادجادي مجدداً من عزلته في قرية «مار» شبه المهجورة في وسط إيران لقسوة الطبيعة فيها، ويعود بعد مضي عامين لتقديم معرضه الجديد (كلب مبلل) في غاليري «كاربون 12» بمجمع السركال في منطقة القوز في دبي، والذي افتتح مؤخراً بحضور عدد كبير من المعنيين بالشأن الفني.

حادثة ملحمية

أما موضوع معرضه الذي يستمر حتى 10 سبتمبر المقبل، فاستلهمه سادجادي من حادثة وحشية كانت منبع إلهامه، ليرسم بأجواء ملحمية أسطورية قسوة الطبيعة وصراع الإنسان في مواجهتها، ووحشية الحياة البرية. وحكى سادجادي (1977) لـ البيان تلك القصة قائلاً، «بدأت فكرة المعرض تتبلور في ذهني، حينما اكتشفت أن أحد المزارعين في تلك البقعة المعزولة بالثلوج عن العالم، سمم كلبي الذي كان صديقي في ليالي الشتاء الطويلة وبردها القارس».

أجواء أسطورية

تحمل تلك الأجواء الأسطورية الزائر إلى بعد مختلف، يدفعه للتوقف ملياً أمام كل لوحة، والاستغراق في تأمل أجوائها الملحمية بشيء من الرهبة والذهول، ليجد نفسه في اللوحة الأولى أمام كائن أسطوري يحمل بسيفه المشهور الموت لما يحيط به، ولتتآمر معه الطبيعة بإعصارها الذي يحّول ما حوله إلى ركام ضبابي من الهياكل العظمية لكائنات كانت جزءاً من حياة البراري. ويتجلى في هذه اللوحة وصول سادجادي إلى درجة عالية من التماهي مع ما تختزنه مخيلته وشحنات إبداعه، ليتحول هواء الإعصار بشفافية اللون إلى ما يشبه موجة بحر صاخبة يترامى زبدها على شاطئ حد سيفه.

ينتقل الزائر بعدها إلى الماعز الجبلي بين ركام هياكل الموت في سهوب ثلجية موحشة، ليقف مندهشاً من ضربات فرشاة الفنان الجريئة والمتقشفة التي تنقل الإحساس الكامل بدفء وبرها الطويل، والأشواك الجافة التي تبرز بين العظام، ومنها إلى ثلاثية ذاك الحيوان البري الذي نراه ينتقل من الحياة الآمنة، إلى النزع الأخير، ليتحول إلى سواد الموت الذي ينساب لونه على بياض الثلج.

3 لوحات

 

ما إن يتنفس الزائر الصعداء أمام ثلاث لوحات، تجلى فيها الإنسان في حيوية ألوان الحياة، حتى يدرك أنه قبالة صراع آخر، صراع الإنسان الذي يُفني حياته من خلال آلية عمله اليومي، والذي يقوم في اللوحة الأولى بإزالة الثلوج عن سطح كوخه ومدخنة المدفأة، وفي اللوحة الثانية يستمر في جهده بعد استنزاف قوته لتخبو قليلاً ألوان الحياة من عينيه ومن اللوحة، ليبدأ بالتلاشي في اللوحة الثالثة في جو ضبابي قريب من الفناء، بعدما تمكن من تحرير دخان المدفأة. كما يعيش الزائر مع لوحاته الثلاث للمزارعين حالة من الاسترخاء، ليستغرق في أجواء الحصاد وما تحمله من جماليات، في قوة إيقاع الحركة والتكوين الذي يحمل العديد من العوالم البصرية المتداخلة التي لا حدود لها.